فقال يونس : يا جبريل ، إنما سألتك أن ترينيه صواما قواما ، قال جبريل : إنّ هذا كان قبل البلاء هكذا ، وقد أمرت أن أسلبه بصره ، قال : فأشار إلى عينيه ، فسالتا ، فقال : متّعتني بهما حيث شئت ، وسلبتنيهما حيث شئت ، وأبقيت لي (١) فيك طول الأمل ، يا بارئا رضاك. فقال جبريل : هلمّ تدعو الله ، وندعو معك فيردّ عليك يديك ورجليك وبصرك ، فتعود إلى العبادة التي كنت فيها ، قال : ما أحبّ ذلك ، قال : ولم؟ قال : أمّا إذا كانت محبّته في هذا فمحبّته أحبّ إليّ من ذاك. قال يونس : بالله يا جبريل ، ما رأيت أحدا أعبد من هذا قطّ. قال جبريل : يا يونس ، هذا طريق لا يوصل إلى الله ـ عزوجل ـ بشيء أفضل منه.
قال إسحاق بن بشر : وأخبرنا ابن سمعان ومقاتل وسليمان وسعيد بن بشير عن قتادة عن كعب قال :
إن يونس لحق بالعبّاد ، وكانت العباد حين عظمت الأحداث في بني إسرائيل يخرجون إلى الفيافي والجبال والسواحل ؛ فمنهم من كان يأكل العشب ، ومنهم من كان يأكل ورق الشجر ، ومنهم من يطلب الرزق طلب الطير ويجزئه من الدنيا ما يجزئ الطير ، تركوا الدنيا ، فلولا هؤلاء ما نظر (٢) الله إلى بني إسرائيل طرفة عين ، غير أنّ الله كان متجاوزا عنهم ، متعطفا عليهم ، يدفع عنهم بأوليائه (٣).
قال كعب :
إنّ يونس لم يجامع الناس بعد ذلك حتى لحق بالله. وكان شعيا تلميذ يونس ، وكان عبدا صالحا ، قد اصطفاه الله ، وطهّره ، فلمّا مات يونس أمر شعيا أن يلحق (٤) ببني إسرائيل ، وكان إذا ملك الملك على بني إسرائيل بعث الله معه نبيا يسدّده ، ويرشده ، ويكون فيما بينه وبين الله. قال : وشعيا (٥) هو الذي بشّر بعيسى بن مريم ، وبشّر بالنبي صلىاللهعليهوسلم ؛ فخبّر بني إسرائيل أنّه يكون نبي يخلق من غير ذكر ، من عذراء صدّيقة طيّبة مباركة ، يركب الحمار ، يكون على
__________________
(١) في مختصر أبي شامة : لك.
(٢) على هامش مختصر أبي شامة : ناظر.
(٣) انظر تاريخ الطبري ١ / ٣١٣.
(٤) غير واضحة في مختصر أبي شامة ، ولعل الصواب ما أثبت.
(٥) وهو شعيا بن أمصيا ، وقد بعث قبل مبعث عيسى وزكريا ويحيى انظر أخباره في تاريخ الطبري ١ / ٣١٣ والكامل لابن الأثير ١ / ١٧٣.