وللفرزدق رحلة مع أبيه ، وهو صغير إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (١). قال الفرزدق : دخلت مع أبي على علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، وبين يديه سيوف يذوقها (٢) ، فقال لأبي : من أنت؟ قال : غالب بن صعصعة ، قال : ذو الإبل الكثيرة؟ قال : نعم. قال : فما فعلت؟ قال : ذعذعتها (٣) النوائب والحقوق ، فقال : ذلك خير سبيلها ، من هذا معك؟ فقال : هذا ابني همام ، وهو يقول الشعر (٤) ، فقال : علمه القرآن ، فهو خير له (٥).
سمي الفرزدق لشبه وجهه بالخبزة ، وهي فرزدقة. اسمه همّام. والفرزدق : الرغيف الضخم الذي تتخذ منه النساء الفتوت ، ويقال للقطعة من العجين التي تبسط فيخبز منها ، شبّه وجهه بذلك لأنه كان غليظا جهما (٦).
قال الجارود :
كان رجل من بني رياح له : ابن وثيل (٧) ـ وكان شاعرا ـ أتى الفرزدق بماء بظهر الكوفة على أن يعقر هذا مائة من الإبل ، وهذا مائة من الإبل إذا وردت الماء. فلما وردت الإبل قاما إليها بالسيوف يكسعان (٨) عراقيبها ، فخرج الناس على الحمران والبغال يريدون اللحم ، وعلي ابن أبي طالب عليهالسلام بالكوفة ، فخرج على بغلة رسول الله صلىاللهعليهوسلم البيضاء ، وهو ينادي : يا أيها الناس ، لا تأكلوا من لحومها ، فإنه أهلّ (٩) لغير الله.
كان بسر بن سعيد (١٠) من العباد المنقطعين وأهل الزهد في الدنيا ، وكان ثقة ، كثير
__________________
(١) الخبر في أنساب الأشراف ١٢ / ٦٤ والأغاني ٢١ / ٢٨٣.
(٢) أي يفحصها ويختبرها ، من قولهم : ذقت القوس إذا جذبت وترها لتنظر ما شدتها (انظر اللسان : ذوق).
(٣) ذعذعتها النوائب أي فرقتها.
(٤) في الأغاني : فقال : إن ابني هذا من شعراء مضر ، فاسمع منه.
(٥) في أنساب الأشراف : فإنه خير له من الشعر.
(٦) انظر أنساب الأشراف ١٢ / ٦٥ والأغاني ٢١ / ٢٧٦ وسير الأعلام ٤ / ٥٩٠ ووفيات الأعيان ٦ / ٩٩ وقال ابن خلكان والقول الأول أصح لأنه كان أصابه جدري في وجهه ثم برأ منه فبقي وجهه جهما متغضنا. القول الأول : أنه كان جهم الوجه.
(٧) بالأصل : «أثال» وفي تاريخ الإسلام : «أثيل» والمثبت «وثيل» عن وفيات الأعيان ٦ / ٨٦ وهو سحيم بن وثيل الرياحي ، وهو شاعر ، وكان رئيس قومه ، وانظر الأغاني ٢١ / ٢٢٢.
(٨) يكسعان أي يضربان (اللسان : كسع).
(٩) يقال : أهل الذابح : رفع صوته عند ذبح الضحية باسم من قدمها قربانا له.
(١٠) هو يسر بن سعيد مولى الحضرميين ، كان ينزل دار الحضرميين ببني جديلة. انظر أخباره في تهذيب الكمال ٣ / ٤٤.