فلما رحلت عنه حملت حصيات من قبره ، فأتت بها الفرزدق ، فألقتها بين يديه ، وقالت له : سألتك بصاحب هذه التربة إلا أعفيتني من ذكرك في هجائك في شعر ، قال : وربّ الكعبة اليمانية لاذكرتك بسوء أبدا ، فهاجى بني جعفر بن كلاب. فلما صار إليها قال (١) :
عجوز تصلي الخمس عانت بغالب |
|
فلا والذي عاذت به لا أضيرها (٢) |
لئن نافع لم يرع أرحام أمّه |
|
وكانت كدلو لا يزال يعيرها (٣) |
لبئس دم المولود مسّ ثيابها |
|
عشية نادى بالغلام بشيرها |
وإني على إشفاقها من مخافتي |
|
وإن عقّها بي نافع (٤) لمجيرها |
وكان رجل من بني منقر (٥) كاتب غلاما له كان منشؤه البادية على ألف درهم على أن يؤديها إليه بعد حول ، فسعى فيها ، ومضى الحول ، ولم يصل إليها ، فخرج من البصرة متنكرا حتى أتى سيف كاظمة (٦) ، فحمل من قبر [غالب أبي](٧) الفرزدق حصيات وأتى بهن الفرزدق ، وهو واقف بالمربد (٨) ، يبيع إبلا له ، فألقاهن في حجره ، وقال : إنّي مستجير غارم ، قال : وما بك ، لا أبا لك؟ فأنشده :
بقبر ابن ليلى غالب عذت بعد ما |
|
خشيت الردى أو أن أردّ على قسر |
بقبر امرئ تقري المئين عظامه |
|
ولم يك إلا غالبا ميت يقري |
فقال لي استقدم أمامك إنما (٩) |
|
فكاكك (١٠) أن تلقى الفرزدق في المصر |
__________________
(١) الخبر والأبيات في الأغاني ٢١ / ٣٥٤ ـ ٣٥٥ والبيت الأول في أنساب الأشراف ١٢ / ٧٤ والبيت الأول والأخير في الديوان ١ / ٣٦٧ والخبر والبيتان الثاني والثالث في أنساب الأشراف ١٢ / ٩٣ ـ ٩٤.
(٢) روايته في أنساب الأشراف :
أتتني فعاذت من هجائي بغالب |
|
فلا والذي شق استها لا أضيرها |
(٣) عار يعير : عاب أو اتلف.
(٤) هو نفيع بن صفار المحاربي ، كما في أنساب الأشراف ١٢ / ٩٣.
(٥) الخبر والأبيات في الكامل للمبرد ٢ / ٦١٢ ـ ٦١٣ وأنساب الأشراف ١٢ / ٦٤ والبيتان الأول والثاني في الأغاني ٢١ / ٣٥٠ و ٣٩٨.
(٦) يعني في المكان الذي قبر فيه غالب والد الفرزدق.
(٧) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك للإيضاح عن الأغاني.
(٨) المربد : بالكسر ثم السكون وفتح الباء الموحدة ، قال الأصمعي : المربد كل شيء حبست فيه الإبل ، ولهذا قيل مربد النعم بالمدينة ، وبه سمي مربد البصرة. وإنما كان موضع سوق الإبل ، انظر معجم البلدان ٥ / ٩٧ ـ ٩٨.
(٩) الأغاني ٢١ / ٣٥٠ فأخبرني قبر ابن ليلى فقال لي وفيها ٢١ / ٣٩٨ فخاطبني.
(١٠) أنساب الأشراف ١٢ / ٦٤ شكاكك.