لقي (١) الفرزدق شابّ (٢) من أهل البصرة ، يا أبا فراس ، أسألك عن مسألة ، قال : سل ، قال : أيهما أحبّ إليك : تسبق الخير أو يسبقك؟ قال : يا ابن أخي؟ لم تأل (٣) أن شدّدت وأحببت ألا تجعل لي مخرجا ، أفتجيبني أنت إن أجبتك؟ قال : نعم ، قال : فاحلف ، فغلّظ عليه ، ثم قال : نكون معا ، لا يسبقني ولا أسبقه. أسألك الآن؟ قال : نعم ، قال : أيما أحب إليك : أن ترجع الآن على منزلك ، فتجد امرأتك قابضة بكذا وكذا من رجل أو تجد رجلا قابضا على كذا وكذا منها؟
مر الفرزدق (٤) بمجلس لبني حرام ومعه عنبسة الفيل مولى عثمان بن عفان ـ وهو جدّ عبد الكريم بن روح ـ فقال : يا أبا فراس ، متى تذهب إلى الآخرة؟ قال : وما حاجتك إلى ذلك؟ قال : أكتب معك إلى أبي ، قال : أنا لا أذهب حيث أبوك ، أبوك في النار. ولكن اكتب إليه مع ريالوه واسطفانوس.
كان أسد (٥) بن عبد الله القسري (٦) شديد التعصب ، فاجتمع عنده ذات يوم جماعة من الشعراء ، فيهم الفرزدق ، فقال له : أنشدنا ، قال الفرزدق : فعلمت أنه يكره شعري ، فقلت : أيها الأمير ، لو أمرت غيري لأنشدك ، فقال : أنشدني ، ودعني من غيرك ، فأنشدته قصيدة أقول فيها (٧) :
فإن الناس لو لا نحن كانوا |
|
كما خرز تساقط من نظام (٨) |
قال فبم؟ واضطرب ، ثم أقبل علي كالمهدد ، فقال : أنشدنا ، ودعنا من فخرك ، فأنشدته (٩) :
__________________
(١) الخبر في طبقات الشعراء للجمحي ص ١١٩ من طريق أبي العطاف. وأنساب الأشراف ١٢ / ٧٦ عن المدائني وفيه أن الفرزدق ، والأغاني ٢١ / ٣٥٧.
(٢) هو حمزة بن بيض الحنفي ، كما في أنساب الأشراف.
(٣) بالأصل : قال.
(٤) الخبر رواه أبو الفرج في الأغاني ٢١ / ٢٩٦.
(٥) كذا بالأصل. والذي في الأغاني : خالد.
(٦) الخبر والأبيات الرائية في الأغاني ٢١ / ٣٤٧.
(٧) البيت في ديوان الفرزدق ٢ / ٢٩٤ من قصيدة يمدح هشام بن عبد الملك.
(٨) روايته في الديوان :
فإن الناس لو لا أنت كانوا |
|
حصى خرز تساقط من نظام |
(٩) الأبيات في ديوانه ١ / ٢٠٠.