«ما أذوق المنام إلا غرارا». ولكن من رحمة الله بي أنه كان معي الحرام والمخدة والطراحة التي كنت أجد بها عظيم النعمة والراحة ، ولو لا الثياب التي بقيت عندي بعد السلب ، وأدوات النوم التي رأوها وسلمها المولى منهم ، لكنت في أسوأ حال ، فالحمد لله الخبير المتعال.
وأما الحوادث والنوادر والفظائع أثناء الطريق ، ففي الوقائع التي حدثت لأهل البداوة في غزو بعضهم لبعض وهم يقولون : هنا ذبح فلان ، وهناك قتل فلان ، وهنالك أخذ حلال فلان ، ولم أسمع في طول تلك الأيام إلا الحوادث الفظيعة وما أشبهها ، وإلا الأناشيد التي لا أفهمها ، ولم أتكلم مدة سفري معهم إلا بمقدار ما تلجئني إليه الضرورة ، وفي كل يوم كان يشتد بنا الخطر ، ويزداد ضيق الصدر ، ولا ندري متى يوافينا الأجل؟ ولا كيف يكون القتل ، وكل يوم كنت أتلو فيه قوله تعالى : (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ)(١).
وما زلت على هذه الحال ، وأنا صابر ثابت صامت ، حتى بلغنا «قرية الحائط» يوم الثلاثاء في ٤ رجب الفرد عام ١٣٣٨ ه.
__________________
(١٠) ـ سورة لقمان ، الآية ٣٤.