وقد غابت الشمس قبل وصولنا إليه فصلينا المغرب واسترحنا من وعثاء السفر ، ثم بادرنا المسير فلمّا أقبلنا على مكة المكرمة فإذا السيد الأنصاري قال لي انظر أمامك فنظرت وإذا بأنوار الرحمة الإلهية تلمع في الأفق المحاذي للكعبة المشرفة ولا تنقطع أصلا ، فزاد سرورنا وأيقنا أن الله تجاوز عن ذنوبنا التي تعكر البحر ، وتفضل علينا بالقبول. ولا بدع فإنه مجمع أبحر الكرم والجود الذي جوده لا نهاية له ورحمته الواسعة تسع هذا العالم لقوله تعالى : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ)(١)
وهم أمة محمد صلىاللهعليهوسلم الذين لا يفرقون بين أحد من رسله بل يؤمنون بجميعهم عليهم الصلاة والسلام.
الفصل الخامس عشر
في دخول مكة المكرمة
فوصلنا ليلا وإذا بالشيخ عبد الرحمن بلّو مطوف أهالي فلسطين منتظر قدومنا وقد استقبلنا بوجهه البسام وذهب بنا إلى رحابه الفسيح وأنزلنا عنده على الرحب والسعة ضيوفا مكرمين ، وكيف لا يكون كذلك ونحن وفود بيت الله الحرام وهو المتكفل لحاج بيته بالإحسان والإكرام. وكان
__________________
(٤٩) سورة الأعراف ، الآية ١٥٧.