يظّل رجيما لريب المنون |
|
وللسقم في أهله والحزن |
فالنون لام الفعل في هذا البيت ، فقد صار حرف الروي في أحد البيتين عين الفعل ، وفي الآخر لامه ، وفي القصيدة نون زائدة لا هي عين الفعل ولا لامه ، وذلك قوله :
فهل يمنعني ارتيادي البّلاد |
|
من حذر الموت أن يأتين |
والنون زائدة لأن معناه يأتيني ، والياء للمتكلم. وقال رؤبة :
يا أيّها الكاسر عين الأغضن |
|
والقائل الأقوال ما لم يرني |
وفيها :
من كلّ رعشاء وناج رعشن
فالقصيدة نونية ، والنون في الأغضن لام الفعل ، وفي يرني ليست من الكلمة في شيء ، لأن النون زائدة والياء ضمير المتكلم متصل ببرني وهو فعل مجزوم ورعشن فعلن ، لأنه من الارتعاش والنون زائدة والشين التي هي لام الفعل لا حكم لها في القافية ولا يلزم إعادتها ، والشواهد في إبطال هذا كثيرة وقد ذكر الأخفش عن قوم أنهم ذهبوا إلى أن النصف الأخير بأسره هو القافية ، فهؤلاء قسموا البيت نصفين فجعلوا النصف الثاني قافية لأنه يتبع الأول ، وقد انطوى كلامنا على تحقيق القافية بما أغنى عن إعادتنا الكلام في هذا ، وقد اتسعت العرب في تسمية القافية ، فمنهم من سمى القصيدة قافية ، ومنهم من سمى البيت قافية ، ويمكن أن يكون ذلك لأن في كل بيت قافية ، فسمى باسم ما لا يفارقه ، وهذا كثير في كلام العرب ، فأما تسمية القصيدة قافية فقد حكى الأخفش أنه سمع عربيا يقول عنده قواف كثيرة ، فقلت : وما القوافي؟ قال : هي القصائد. قال : وسمعت آخر فصيحا يقول : القافية القصيدة ، وأنشد :
وقافية مثل حد السّنان تبقى |
|
ويهلك من قالها (١) |
وقال حسان :
فنحكم بالقوافي من هجانا |
|
ونضرب حين تختلط الدّماء |
يريد نحكي بالقصائد ، وقال جرير يهجو البعيث :
لقد سرى لحب القوافي بأنفه |
|
وعلب جلد الحاجبين وشومها |
__________________
(١) البيت للخنساء ترثي أخاها صخرا انظر الديوان ١٢٢.