١٢ ـ حدَّثني أبي وجماعة مشايخي رحمهمالله عن محمّد بن يحيى العطّار
__________________
قد غرق في ذلك الدَّم وهو يستغيثُ فلا يُغاث ، ثمّ إنّي رأيت أولئك الرّجال البيض الوجوه الّذين نزلوا من السّماء وهو ينادون : صبراً آل الرّسول صبراً! فإنّكم تقتلون على أيدي أشرار النّاس ، وهذه الجنّة مشتاقة إليك يا ابا عبدالله ، ثمّ تقدَّموا إليَّ فعزوني وقالوا : أبشر يا أبا الحسن فقد أقرَّ الله عينك بابنك الحسين غداً يوم يقوم النّاس لربّ العالمين ، ثمّ إنّي انتبهت؛ فهذا ما رأيت فوالّذي نفس علي بيده لقد حدَّثني الصّادق المصدّق أبو القاسم صلى الله عليه وآله وسلم أنّي سأرى هذه الرؤيا بعينها في خروجي إلى قتال أهل البغي علينا ، وهذه أرض كربلاء الّتي يدفن فيها ابني الحسين وشيعته وجماعة من ولد فاطمة بنت محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنّ هذه البقعة المعروفة في أهل السّماوات تذكر بأرض كرب وبلاء ، وليحشرنّ منها قوم يدخلون الجنّة بلا حساب.
ثمّ قال : يا ابن عبّاس اطلبْ لي حولها صِيران الظّباء ، فطلبها ابن عبّاس وجدها ، ثمّ قال : يا أمير المؤمنين قد أصبتها ، فقال علي عليه السلام : الله أكبر! صدق الله ورسوله.
ثمّ قام علي عليه السلام يهرول نحوها حتى وقف عليها ، ثمّ أخذ قبضة من بعر الظّباء فشمّها ، فإذا لها لون كلون الزَّعفران ورائحة كرائحة المِسك ، فقال عليُّ عليه السلام : نعم هي هذه بعينها ، ثمّ قال : أتعلم ما هذه يا ابن عبّاس؟ قال : لا يا أمير المؤمنين ، فقال : إنّ مسيح عيسى ابن مريم قد مرَّ بهذه الأرض ومعه الحواريّون ، فشمَّ هذه البَعر كما شممته ، وأقبلت إليه الظّباء حتّى وقفت بين يديه ، فبكى عيسى وبكى معه الحواريّون ، وهم لا يدرون لماذا يبكي عيسى عليه السلام ، فقالوا : يا روح الله ما يُبكيك؟ ولماذا اختلست ههنا؟ فقال لهم : أتعلمون ما هذه الأرض؟ قالوا : لا يا روح الله ، فقال : هذه أرض يقتل عليها فرخ الرَّسول أحمد المصطفى ، وفرخ ابنته الزّهراء قرينة الطّاهرة البتول مريم بنت عِمران ، ـ إلى أن قال : ـ
قال ابن عبّاس : فلمّا رجع عليّ عليه السلام من صِفّين وفرغ من أهل النّهروان دخل عليه الأعور الهَمدانيّ ، فقال له عليُّ عليه السلام : يا حارث أعَلِمتَ أنّي منذ البارحة كئيب حزين فزع وَجِل؟ فقال الحارث : ولم ذاك يا أمير المؤمنين؟ أندماً منك على قتال أهل الشّام وأهل البصرة والنَّهروان؟ فقال : لا ، ويحك يا حارث وإنّي بذلك مَسرور ، ولكنّي رأيت في منامي أرض كربلاء ، ورأيت ابني الحسين مذبوحاً مطروحاً على وجه الأرض ، ورأيت الأشجار منكبة ، والسّماء مصدّعة ، والرّحال متطأمنة ، وسمعت منادياً ينادي بين السّماء والأرض وهو يقول : أفزعتمونا يا قتلة الحسين أفزعكم الله وقتلكم ، ثمَّ إنّي انتبهت وأنا منه على وَجَل لما رأيت ، فقال له الحارث : كلاّ يا أمير المؤمنين ، لا يكون إلاّ خيراً ، فقال له عليّ عليه السلام : هيهات يا حارث سبقتْ كلمة الله ونفذ قضاؤه ، وقد أخبرني حبيبي محمّد عليه السلام أنْ ابني يقتله يزيد ـ زاده الله في النّار عذاباً. ( راجع الفتوح ج ١ ص ٥٧١ إلى ٥٧٤ ، طبع دار الكتب العلميّة : بيروت ـ لبنان )