ولأن فاطمة سلام الله عليها لم تذكر بأي سوء حتى في ألسنة أعدائها فلا موجب لذكرها اللهم إلا في جماع الطهارة والعصمة العليا مع أبيها وبعلها وبنيها كما في آية التطهير.
(يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) (٤٣).
ذلك التخصص في خطابها بمثلث القنوت والسجود والركوع لربها ، هو صورة لمّاعة من اصطفاءها على نساء عالمي زمانها وقبلها ، حيث لم تخاطب من قبلها كآسية وسواها بذلك الخطاب الحنون ، فهو خطاب رسالي مهما لم تكن هي من الرسل ، تدليلا على القمة البالغة فيها مبلغ الرسل ، فتخاطب كما يخاطبون ويوحى إليها كما يوحى إليهم اللهم إلا وحي الرسالة.
(اقْنُتِي لِرَبِّكِ) في مطلق الطاعة والعبادة ، ثم في خاصتها التي هي عمود الدين ، المذكورة بأسمى سماتها في جموع المصلين (وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ).
فكما السجود والركوع هما معنيان بعناية الصلاة ، كذلك الإتيان بهما في جماعة لمكان «مع» الشاملة لكليهما ، وليس جمعهما إلا في الصلاة ، فقد تأتي هذه الآية في عداد آيات فرض الجماعة في فرض الصلاة ، ك (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) و (لا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) وهي سبيل المسجد مكانا لزاما للصلاة.
فليكن القنوت للرب ، والمتمثل كأفضله في الصلاة ، ليكن في جماعة القانتين ، كشعيرة عظيمة جاهرة ليل نهار أمام الناظرين ، فان (مَعَ الرَّاكِعِينَ) تعم مثلث القنوت والسجود والركوع.
فلقد نمت مريم وترعرت وشبت واشتد ساعدها وعمر قلبها بتقواها