القدر ـ منزل دفعيا فهو : فرقان أول ، ثم المفصل منه فرقان ثان منزل ، لأن كل نازل منه في نجمه فرقان ، فهو ـ إذا ـ فرقان جملة وتفصيلا ، انزالا وتنزيلا ، لا مثيل له في كتابات الوحي عن بكرتها.
فذكر الفرقان هنا بعد القرآن تعظيم للقرآن وتعميم للفرقان لكل رسول انه لا يأتي الا بفرقان ، وفرقان القرآن يمتاز عن سائر الفرقان بما يفرّق بين أصيل الوحي فيما بين يديه عن دخيله ، وانه برهان لرسوله رسوليا ورساليا ، خالدا على مرّ الزمن ، بل لا يزداد إلّا ظهورا وبهورا ، وأنه المقياس الأصيل لما يروى عن المعصومين (عليهم السلام) تصديقا لما وافقه وردا لما خالفه.
ذلك! وما أشبه من ميزاته المنقطعة النظير بين كل فرقان لكل بشير ونذير ، فانه شرعة بأكملها وآية رسالية ورسولية بأكملها ، قضية خلود الشرعة بآيتها (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ).
إذا ف (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) وهي مجموعة في ذلك الفرقان ، ومنجّمة في سائر الفرقان : انفسية وآفاقية : رسلا ورسالية ورسولية ، كفرا عن تصديقها ، وسترا مكذبا او متجاهلا عن دلالاتها الصادقة (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) وفاقا لشد الكفر وعدّه وجزره ومدّه (وَاللهُ عَزِيزٌ) لا يغلب (ذُو انْتِقامٍ) ممن يتألب او يتغلب على رسالات الله وفرقانه.
(إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) ٥.
«شيء» هنا في سياق النفي تشمل كل ما يستحق اسم الشيء ، واقعا ـ وهو حق الشيء في مثلث الزمان ـ بإمكان وقوعي ومصلحي ، ام ممكنا ذاتيا لا يستحق التكوين حسب الحكمة العالية ، واما المستحيل فليس شيئا باي معنى حتى تشمله «شيء» فانما الله يعلم استحالته حقه ونحن نعلمها على هامش علمه.