أنه بدأ بالدعوة الرسالية منذ العشرين ، إلّا إذا دل دليل قاطع على أكثر منه ، وقد يروى عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ان سني دعوته الرسالية بشخصه كانت ثلاث وثلاثين سنة ، إذا فقد يكون صعوده في ثلاث وخمسين من عمره الشريف ، ورسالته منذ كهولته كما تلمحناها من «وكهلا» ويدل عليه الإنجيل (١).
وترى ما هو دور (وَمِنَ الصَّالِحِينَ) هنا ، بعد (وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) هناك؟
قد تعني (مِنَ الصَّالِحِينَ) الصلوح لتلك الرسالة العظمى والنبوة العليا ، دون مطلق الصلاح الشامل لمطلق الوجهاء والمقربين.
ذلك ـ وكما يلتمسه سليمان النبي (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) (٢٧ : ١٩) وأفضل منه ابراهيم من قبل (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (٢٦ : ٨٣) ـ (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (٢٩ : ٢٧).
__________________
(١) في إنجيل يوحنا ١ : ١٩ : ٢٧ : وهذه شهادة يوحنا حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه من أنت؟ فاعترف ولم ينكر وأقر إني لست أنا المسيح فسألوه إذا ماذا؟ إيليا أنت؟ فقال : لست أنا ، النبي أنت؟ فأجاب لا ، فقالوا من أنت لنعطي جوابا للذين أرسلونا ماذا تقول عن نفسك؟ قال : أنا صوت صارخ في البرية ، قوّموا طريق الرب كما قال أشعياء النبي وكان المرسلون من الفريسيين فسألوه وقالوا له ما بالك تعمد إن كنت لست المسيح ولا إيليا ولا النبي أجابهم يوحنا قائلا : أنا أعمد بماء ولكن وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه هو الذي يأتي بعدي الذي صار قدامي الذي لست بمستحق أن أحل سيور حذائه».
أقول : فقد كان المسيح قائما بينهم وهم لا يعرفونه بالرسالة الفعلية وكيف يقوم بينهم وهو في المهد صبيا.