هذا ـ وقد تعني (مِنَ الصَّالِحِينَ) فيما عنت تحليق الصلاح على كل كيانه ، كعبارة ناطقة عن كل نبوة الصلاح وحلقاته بعد ما ذكر قسم منها عظيم ، فهو إذا تعميم بعد تخصيص.
(قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ٤٧.
«قالت» محتارة من بشارة الولادة «رب» الذي ربيتني تكوينيا لا أنتج ولدا إلا بأسبابه المقررة عندك ، وتشريعيا إذ طهرتني عن كل سوء وفحشاء ف «أنى» بالإمكان عاديا (أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) لا حلا ولا ـ عوذا بك ـ حراما : (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) (١٩ : ٢٠).
(قالَ كَذلِكِ) البعيد في حساب الخلق ، العظيم الكريم في تكريم من يشاء (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) بمشيئة طليقة دونما رادع أو مانع (إِذا قَضى أَمْراً) ليكون أيا كان ، فليس يحتاج إلى تقدمات هو مقرّرها ومقدّرها في متعوّد التكوين (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ) وهو قول الإرادة الربانية ولا مخاطب له إلا التكوين دون الكائن به فانه من تكوين الكائن (كُنْ فَيَكُونُ) دونما نظرة لآمر آخر او أمر آخر.
(وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) ٤٨.
علّ «الكتاب» هنا ـ وهو جنسه ـ كل كتابات السماء النازلة قبله ، وذلك من شروطات كل رسالة لاحقة أن يعلّم رسولها سابقتها بسابغتها ، حيث الرسالات ككل هي سلسلة موصولة بعضها ببعض ، صادرة عن مصدر واحد ، واردة إلى امة واحدة ، مهما اختلفت شكليات وطقوس ظاهرية فيها.
و «الحكمة» هنا بعد الكتاب ، هي تحكيم عرى الوحدة بين كتابات السماء في خلد الرسول ، كما هو بأحرى تحكيم الإنجيل عن أي إنفلات في لفظه