ثم التعبير الواضح الفاصح عن تتالي الرسل «ثم جاء كلا منكم رسول مصدق له» دون (ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ) بل «فجاء» دون «ثم» حيث الرسل كانوا تترى دون فصل ، كل هذه وأشباهها مما تبعد جمعية الأبدال في «رسول» بل وتحيلها.
هنا مادة الميثاق (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) هي منقطع النظير عن كل بشير ونذير ، إلا من يكون رسولا الى الرسل وإماما في جموع النبيين.
نجد (آمَنَ مَعَهُ) (فَآمَنَ لَهُ) من نبي لنبي ، ثم ولا نجد (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ) إلا هنا (ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ) وبذلك التأكد الأكيد.
صحيح ان على كل رسول سابق تصديق اللاحق ، وعلى كل لاحق تصديق السابق ، واما الايمان به فلا يصح إلّا لمن هو إمام النبيين ورسول إلى المرسلين كما هنا.
وهنا «النبيين» جمعا محلى باللام تعني مستغرق النبوات ، فلا تعني بعضا دون بعض ، ولا كل الرسل إلا بطريقة أولى ، فانما «النبيين» وهم أولو النّبوة والرفعة بين المرسلين ومن نبوتهم (لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ) (١) وليس كل رسول يأتيه كتاب مهما أتته حكمة ، فكما أن أولي العزم من الرسل خمسة ، كذلك النبيون منهم وهم اصحاب كتب الوحي ليسوا إلا قسما من المرسلين ، فهم الأخصاء المتميزون بين المرسلين.
وهنا (ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ) لها دور العناية بختم الرسالة الإلهية ـ العظمى ـ
__________________
(١) اللام في «لما» للتأكيد و «ما» بمعنى الذي وصلته «آتَيْتُكُمْ ..» والجملة ظرف تحمل الحكمة الحكيمة ل «لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ ..» وقد يحتمل أن اللام للقسم توطئة لبيان حكمة مادة الميثاق ، واللام في «لتؤمنن» جواب القسم.