تدبيره لهم ، ونعمه السابغة عليهم ، فقد دانوا له طوعا وكرها وولهوا إليه فقرا وضعفا.
فالذين أسلموا له هم الملائكة والنبيون ، ثم المؤمنون ، والذين أسلموا كرها هم إبليس وأشباهه من الجن والإنس وكما قال (رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) فقد يدل استنظاره على إقراره بأنه مملوك مدبّر ومصرّف مسخّر ، وأنه لا يعتصم من الله بمذهب ولا ينجو بمهرب ولا يبقى إلا أن يبقيه ، ولا يأمن إلا أن يؤمنه ، فهو ـ إذا ـ ممن أسلم في وجه مهما كان في آخر شاردا عن طاعته ، ماردا عن قيادته.
ف (وَلَهُ أَسْلَمَ) هنا طليق يشمل كل مراحل الإسلام تكوينا وتشريعا ، طوعا وكرها بحيث لا يفلت عنه قالت ، ولا يفوت عنه فائت.
فكما الإسلام الإيمان هو باكتساب واختيار ، كذلك الإسلام التسليم قبل الإيمان كما (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (٤٩ : ١٤) فإسلام التسليم ظاهرا عن جبن يشمله (وَلَهُ أَسْلَمَ) مع إمكانية المنعة والحياص ، مهما كان سببه الخوف والفرق.
وإسلام التسليم طمعا في الرغائب ومنى في الفوائد ايضا إسلام مهما كان سببه الرجاء ، وإسلام التسليم حبا لله وفي الله إسلام ولا سبب له إلا حب الله ، وهذه ثلاث كلها الإسلام طوعا.
ثم الإسلام كرها كمن يسلم نفسه للموت إذا حان حينه ولم يكن له سبب للفرار عنه وما أشبه.
فابتغاء غير دين الله انعزال في زاوية بئيسة تعيسة تخالف الفطرة والعقلية السليمة وشرعة الحق ، وتخلّف عن موكب الكون ككل ، ف (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً. لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا. وَكُلُّهُمْ