(كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٨٦).
لا تعني الهداية المنفية هنا التشريعية لأنها عامة غير مخصوصة بفريق دون آخرين ، ولا التكوينية المسيّرة لأنها منفية عن القبيلين ، إنما هي هداية التوفيق للتوبة وقبولها ، فإنها خاصة بالصالحين ثم الضالين المتحرين عن الهدى ، فهم (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا).
أفبعد الإيمان بالبينات والشهادة بحق الرسول يكفرون؟ وفي ذلك عناد للحق وتضليل للمؤمنين ، وهذا من أظلم الظلم في مثلثه : بأنفسهم وبالحق وبحق الآخرين المتزعزين بذلك الكيد المكين!.
مهما كانت هذه الشهادة أقوى والكفر بعدها أغوى ـ كما في كفرة أهل الكتاب بعد إيمانهم ـ كان الارتداد أظلم وأطغى ، فالارتداد دركات كما الإيمان درجات.
(أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (٨٧).
«لعنة» تلبسهم وتغمسهم في الدارين ، من الله ألّا يهديهم سبيل الرشاد ، ومن (الْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) ألّا يطلبوا لهم من الله هدى ، بل لعنا وبيلا.
وترى هؤلاء ملائكة الله يلعنونهم بسند إيمانهم وكفر هؤلاء ، فكيف يلعنهم (النَّاسِ أَجْمَعِينَ) وفيهم كفار هم سناد وعتاد لهؤلاء الأنكاد؟.
علّ «أجمعين» يعني جمع الناس إلى الملائكة والملائكة الى الناس ، مهما استثني عن الناس نسناس ، ام وهم كل الناس ، فالمؤمنون منهم يلعنون بسند الايمان ، والكافرون منهم المتأثرون بارتدادهم يستلعنون حيث يضاعف العذاب