وترى كيف تفرض فريضة على الناس كلهم من استطاع .. واصل الشروط في صحتها الايمان بالله واليوم الآخر والإسلام ، فكيف تفرض على المشركين وسواهم من غير المؤمنين؟ إنها فريضة جماهيرية يستطيعها كل من استطاع إليه سبيلا ، ومن السبيل إليها تحصيل شرطها الأصيل وهو الإسلام ، وليس الحج فقط فرضا على كافة المستطيعين من المكلفين بل هو في كل فرائض الدين كما الصلاة والزكاة : «قالوا (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ. قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ. وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ. وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ.) (٧٤ : ٤٥).
وهنا الأساس في فرض الحج هم كافة الناس وعلى هامشهم الجن وسائر المكلفين : (مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) وأما الكفار القصّر المستضعفون الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا إلى الايمان غير مقصرين فلا ، كما المسلمون غير البالغين او المجانين او المرضى والفقراء او المحجوزين عن الحج ، أم أيا كانوا ممن لا يستطيع إليه سبيلا لا يشملهم فرضه كما في سائر الفرائض.
إلا ان الحج فيها تأكيدات اكثر من غيرها إلّا الصلاة ، ف «لله» تأكيد لفرضه أنه من حقوق الألوهية ، و «على الناس» تأكيد ثان ، وثالث إذ قدم عامة الناس كأنه فرض عليهم دونما شروط ، ثم استثنى ب (مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ظروف الحرج والعسر عن أداءه ، وفي الإبدال تثنية للمراد فتأكيد له حيث يلمح المبدل عنه كأنه فرض مطلق ، ثم البدل بيان لحدّه ، وذلك تأكيد
__________________
وفي الدر المنثور ٢ : ٥٧ أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن عكرمة قال : لما نزلت (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً ..) قالت اليهود فنحن مسلمون فقال لهم النبي (ص) إن الله فرض على المسلمين حج البيت فقالوا : لم يكتب علينا وأبوا أن يحجوا قال الله : (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ).