وهم خالفوها الى سواها حيث يبغونها عوجا والإفكل إنفاق هو في هذه الحياة ، سواء أكانت لها أم للأخرى ، ولقد كانت اليهود تنفق أموالا طائلة لإيذاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإلاتاحة به ، كأنهم ينفقونها في سبيل الله ، وهو في الحياة الدنيا (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً) (٨ : ٣٦).
ذلك مثله (كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ) والصرّ هو الشدة والسرعة التي تصحبها لهيب النار أم برودة ثلجيّة لا تبقي للحرث باقية ، وكلاهما من شؤون النار حريقا او زمهريرا (١) فكلما كان صرّ إنفاقهم وشدته عدة وعدة اكثر ، كان هلاكهم في عدتهم وعدتهم أوفر ، فإنفاق الكافر أيا كان لا يخلو عن ثالوثه المنحوس للكفر المحبط لأعماله :
إنفاقا في سبيل الله ، او الذي يزعمه انه في سبيل الله ، او يعلمه انه في الصد عن سبيل الله مهما اختلفت دركاتها.
وذلك المثل يلمح ـ ضمن ما يمثل انفاق الكفار ـ ان الصر إنما يصيب حرث قوم ظلموا أنفسهم ، مهما شمل حرث من سواهم محنة دون من أصابهم مهنة.
(وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ) مثلا وممثلا بهم (وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) وذلك الهلاك لما ينفقون ليس إلا من خلفيات ظلمهم أنفسهم.
__________________
(١) وشاهدا على صر البرد :
لا يبردون إذا ما الأرض جللها |
|
صر الشتاء من الأمحال كالادم |
ومن ذلك (بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ. سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ).