ثم (ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) تشمل ثالوث الظلم ـ نفسا وسواها وبالحق ـ حيث المرجع فيها أنفسهم ، مهما انضرّ به غيرهم (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ) بإهلاك حرثهم عن بكرته (وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) حيث كفروا فأحبط الله اعمالهم فانه عليهم أضر وأنكى.
(وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) (٤٠ : ٣١) لا ظلما بهم بما أمرهم ونهاهم وجازاهم ، ولا ظلما منهم بأنفسهم وسواهم ، فلا ظلم في ساحة الربوبية على أية حال ، فإنما الظالم هم العباد بسوء اختيارهم.
ذلك! فهم أولاء الانكاد البعاد الذين تنكبوا المنهج الجامع لمفردات الخيرات ، الحافلة للمبرات الكافلة للمكرمات ، فاختاروا لأنفسهم الشرود والضلال والانفلات من عصمة حبل الله جميعا ، فعملهم ـ إذا ـ وكل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا ، هباء ، إذ لا قيمة لخير إلّا ان يتبنى منهج صالح الإيمان.
ذلك ، وإلى تحذير من هؤلاء الملاعين ، المبايعين للدين بهذا الأركس الأدنى من زخرفات الحياة الدنيا ، كيلا ينفر المؤمنون بما يعرفون فينضروا بما يضرون إسرارا وإعلانا :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) ١١٨.
البطانة خلاف الظهارة ، وتستعار لمن تختصه بالاطلاع على خفيات أمورك المستسرة ، فقد تكون بطانة خير فمحبورة مشكورة ، ام بطانة شرة فمحظورة محذورة (١).
__________________
(١) في غريب القرآن للراغب وروي عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) انه قال : ما بعث الله من بني ـ