تلك الصورة كانت منطبقة تماما على قسم من اهل الكتاب الحضور زمن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حيث جاوروه في المدينة بكل غيظ كظيم مضمر على المسلمين ، والنوايا الخبايا السيئة التي كانت تجيش في صدورهم ، والبعض من المسلمين كانوا ـ ولا يزالون ـ ينخدعون بمظاهرهم الحلوة ، فيلقون إليهم بالمودة ، ويأمنونهم على اسرار لهم كبطانة امينة ، فجاء ذلك التنوير التحذير ، دون اختصاص بزمن دون زمن ، بل هو حقيقة ثابتة تواجه ذلك الواقع المرير الشرير من هؤلاء المنافقين ، اهل كتاب او مسلمين.
ذلك! فهل من عقل الإيمان أن تودوهم وتحبوهم دونما عائدة إلا ضرا؟.
(ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ١١٩.
«ها» تنبيه لهامة الموقف الخطير «أنتم» المسلمين «أولاء» «تحبونهم» أولاء الكافرين ، وذلك خلاف العقلية الإيمانية ، فأنتم «أنتم» المؤمنون الصالحون و «أولاء» أولئكم الكائدون الحاقدون ، فكيف «تحبونهم» و «الحال أنهم» لا يحبونكم ، أفحبا من ناحية إمام بغض من أخرى ، ودون أن يؤثر ذلك الحب تخفيضا من ذلك البغض البغيض ، بل تعزيزا لبغضهم ، وتمكينا لهم من خبال وإدغال؟.
ثم (وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ) هذا القرآن وما بين يديه من كتاب ، وهم لا يؤمنون بالكتاب كله ، ولا حقّا بالكتاب بعضه ، إذ لا يتبعون كتاباتهم فضلا عن كتابكم.
وقد تلمح (بِالْكِتابِ كُلِّهِ) دون «الكتب كلها» بوحدة الكتاب لوحدة الأمم الكتابية بوحدة الرسالات.