ثم (وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ) إذ يرونكم جميعا وهم شتى ، ولكم قوة وسداد وهم في ضعف وبداد ، ولا جواب لهم في بغضهم البغيض إلّا :
(قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ومنها صدوركم المليئة من بغض المؤمنين ، وهنا (مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ) أمرا ، يعاكس (وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) نهيا ، وهما في مجرى واحد في حالة الإختيار ، فمهما لم يكن الموت تحت الإختيار ولكن الإسلام والكفر هما تحت الإختيار ، فقد تعني (مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ) استمروا بغيظكم المميت عن حيويتكم ، او حتى الموت ، امرا تحذيريا هو ابلغ من النهي ك (اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ).
وقد تعني باء الغيظ كلا المعية والسببية ، فذلك الغيظ يميت صاحبه حين لا يجد مفلتا منه ولا من سببه ، وهو معه أينما حل وارتحل حتى الموت ، واستمرارية الغيظ تزيد فيه وتزيد حتى يميت.
وفي ذلك لمحة أن استمرارية الغيظ بمزيد هي من أسباب الموت ، لأنها حالة نفسية رديئة لا تستطيع النفس أن تتحملها ، فيوما مّا هي تتغلب عليها فتميت صاحبها.
وإذا كان الغيظ في سبيل الطاغوت فالموت موتان لصق بعض وردف بعض ، موتا حال حياته روحيا ، وموتا يقضي على حياته جسميا فيتم الموت ويطم كل كيانه : (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) ، واما (بِذاتِ الصُّدُورِ) دون «الصدور» مجردة ، فلأن «ذات» : الصاحبة هي مؤنث «ذو» : الصاحب ، وصاحبة الصدور هي التي تصحبها من الضيق والإنشراح بكفر أو إيمان أم أي كان من حالات محبورة او محظورة.