وبالشهوة والحيونة أمام الفطرة والعقلية الإنسانية ، فقد تهبط به حمأة الشهوة إلى دركات من الفاحشة فينزو نزوة الحيوان ، ويترك حظوة الإنسان.
إن الله يعلم منه كل ذلك لأنه هو الذي خلقه وقدّره ، فلا يقسو عليه في تخلفاته ولا يبادر إلى طرده من رحماته ما دامت شعلة الإيمان في قلبه غير منطفية ، ونداوته غير منتفية ، عارفا ربه وما يتوجب عليه أمامه ، فيأمره بالذكر بعد النسيان ويغفر له حين يستغفره (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ).
فليس الله بذلك الغفر الواسع داعيا إلى الترخص (١) تمجيدا للعاثر الهابط ، والعاهر الخابط ، ولا يهتف له بجمال المستنقع كما الواقعية البشعة تهتف له ، فانما هي إقالة عثرة واستجاشة الرجاء اليه في النفس الإنسانية كما يستجيش فيها الحياد ، فهو يربيه بين كفتي ميزان الخوف والرجاء ، دونما رجاحة لإحداهما على الأخرى لكيلا يتأرجف.
أولئك هم المؤمنون في الحق ، الموعوظون الموعودون بالغفران ، دون المستهترين المصرين غير الذاكرين الله ولا المستغفرين ، فإنهم خارج الأسوار ، مؤصدة في وجوههم تلك الذاكرين الله ولا المستغفرين ، فإنهم خارج الأسوار ، مؤصدة في وجوههن تلك الأستار ، ولكنهم ـ على ما هم عليه ـ لا يعاجلون بالعقوبة ، فلهم كما لسواهم مفتوحة باب التوبة إن أنابوا إلى الله ، وعلينا أن نتخلق بأخلاق الله فلا نعاجل من ظلمنا بالعقوبة ما فيه مجال للإصلاح ، أم لا يخاف منه الإفساد.
فهنالك ـ لما تنزل هذه الآية ـ يصرخ إبليس بعفاريته قائلا : «من لها حتى قال الوسواس الخناس أنا لها ، قال : بماذا؟ قال : أعدهم وأمنيهم حتى يواقعوا
__________________
(١) خلاف ما يروى عن رسول الهدى (صلى الله عليه وآله وسلم): لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون كي يغفر لهم (الدر المنثور ٣ : ٧٧) فانه من اختلافات المتخلفين عن شرعة الحق ، لأنه تشجيع على الذنب ، امرا بشيء ينهى عنه!.