يتركوه في مستقبلهم فيستحقوا بتركه وفعل الكفر ـ بدلا منه ـ أن يزيغ الله تعالى قلوبهم عن الثواب ، فاعلا بهم مستحق العقاب.
وقد تعني ـ لا سيما بالنسبة للمعصومين ـ خضوعهم واستكانتهم بإنابتهم إلى الله على أن ترك الازاغة حاصل لهم لرسوخهم في العلم ، فهي كما (قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ) وهو ليس ليحكم إلّا بالحق.
وإنما اختص القلب من بين الجوانح والجوارح بتلك الدعاء لأنه شريف الأعضاء جانحة وجارحة ، فانه قلب الروح وهي عمّاله وتحت إمرته ، فإذا اهتدى القلب اهتدت ، وإذا زاغ زاغت واحتدت (١).
(هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) رحمة خاصة لدنية تعصمنا عن الزيغ أيا كان من دركاته ، حيث الرحمة تعني كل درجاتها (إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ).
وانما تطلبوا إيجاب الرحمة بعد سلب الزيغ لأن هذا السلب لا يغني عن ذلك الإيجاب ، فقد يكون عوانا بين سلب الزيغ وإيجاب الرحمة فهو من المستضعفين الضالين ، كما الزائغون من غير المغضوب عليهم والمرحومون هم من المهتدين الى الصراط المستقيم ، فلذلك ثني هنا الإيجاب بعد السلب تكملة للهدى.
__________________
(١) الدر المنثور ٢ : ٨ ـ أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أم سلمة أن رسول الله (ص) كان يكثر في دعائه أن يقول : اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك قلت يا رسول الله (ص) إنّ القلوب لتتقلب؟ قال : نعم ما من خلق الله من بشر من بني آدم إلّا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله فإن شاء الله أقامه وإن شاء أزاغه فنسأل الله ربنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب ، قلت يا رسول الله (ص) ألّا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي؟ قال بلى قولي : اللهم رب النبي محمد اغفر لي ذنبي واذهب غيظ قلبي وأجرني من مضلات الفتن ما أحييتني.