الْأَشْرارِ) وبهمزة الاستفهام على أنه إنكار على أنفسهم وتأنيب لها (١) في الاستسخار منهم. وقوله (أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ) له وجهان من الاتصال ، أحدهما : أن يتصل بقوله (ما لَنا) أى : مالنا لا نراهم في النار؟ كأنهم ليسوا فيها بل أزاغت عنهم أبصارنا فلا نراهم وهم فيها : قسموا أمرهم بين أن يكونوا من أهل الجنة ، وبين أن يكونوا من أهل النار. إلا أنه خفى عليهم مكانهم. والوجه الثاني : أن يتصل باتخذناهم سخريا ، إما أن تكون أم متصلة على معنى : أى الفعلين فعلنا بهم الاستسخار منهم ، أم الازدراء بهم والتحقير ، وأن أبصارنا كانت تعلو عنهم وتقتحمهم ، على معنى إنكار الأمرين جميعا على أنفسهم ، وعن الحسن : كل ذلك قد فعلوا ، اتخذوهم سخريا وزاغت عنهم أبصارهم محقرة لهم. وإما أن تكون منقطعة بعد مضى اتخذناهم سخريا على الخبر أو الاستفهام ، كقولك : إنها إبل أم شاء ، وأزيد عندك أم عندك عمرو : ولك أن تقدّر همزة الاستفهام محذوفة فيمن قرأ بغير همزته ، لأنّ «أم» تدل عليها ، فلا تفترق القراءتان : إثبات همزة الاستفهام وحذفها. وقيل : الضمير في (وَقالُوا) لصناديد قريش كأبى جهل والوليد وأضرابهما ، والرجال : عمار وصهيب وبلال وأشباههم. وقرئ : سخريا ، بالضم والكسر.
(إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ)(٦٤)
(إِنَّ ذلِكَ) أى الذي حكينا عنهم (لَحَقٌ) لا بد أن يتكلموا به ، ثم بين ما هو فقال هو (تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) وقرئ بالنصب على أنه صفة لذلك ، لأن أسماء الإشارة توصف بأسماء الأجناس. فإن قلت : لم سمى ذلك تخاصما؟ قلت : شبه تقاولهم وما يجرى بينهم من السؤال والجواب بما يجرى بين المتخاصمين من نحو ذلك (٢) ولأنّ قول الرؤساء : لا مرحبا بهم ، وقول أتباعهم : بل أنتم لا مرحبا بكم ، من باب الخصومة ، فسمى التقاول كله تخاصما لأجل اشتماله على ذلك.
(قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٦٥) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ)(٦٦)
__________________
(١) قوله «وتأنيب لها» أى : تعنيف ولوم. أفاده الصحاح. (ع)
(٢) قال محمود : «إن قلت لم سمي ذلك تخاصما؟ قلت : شبه تقاولهم وما يجرى بينهم من السؤال والجواب بما يجرى بين المتخاصمين من نحو ذلك ، ولأن قول الرؤساء : لا مرحبا بهم ، وقول أتباعهم : بل أنتم لا مرحبا بكم ، من باب الخصومة» قال أحمد : هذا يحقق أن ما تقدم من قوله (لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ) من قول المتكبرين الكفار ، وقوله تعالى (بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ) من قول الأتباع ، فالخصومة على هذا التأويل حصلت من الجهتين ، فيتحقق التخاصم ، خلافا لمن قال : إن الأول من كلام خزنة جهنم ، والثاني : من كلام الأتباع ، فانه على هذا التقدير إنما تكون الخصومة من أحد الفريقين فالتفسير الأول أمكن وأثبت.