يريد حصونهم وقصورهم وعددهم ، وما يوصف بالشدة من آثارهم. أو أرادوا : أكثر آثارا ، كقوله :
متقلدا سيفا ورمحا (١)
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢٣) إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٢٤) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ)(٢٥)
(وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) وحجة ظاهرة وهي المعجزات ، فقالوا : هو ساحر كذاب ، فسموا السلطان المبين سحرا وكذابا (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِ) : بالنبوّة : فإن قلت : أما كان قتل الأبناء واستحياء النساء من قبل خيفة أن يولد المولود الذي أنذرته الكهنة بظهوره وزوال ملكه على يده؟ قلت : قد كان ذلك القتل حينئذ ، وهذا قتل آخر. وعن ابن عباس رضى الله عنهما في قوله (قالُوا اقْتُلُوا) أعيدوا عليهم القتل كالذي كان أولا ، يريد أن هذا قتل غير القتل الأول (فِي ضَلالٍ) في ضياع وذهاب ، باطلا لم يجد عليهم ، يعنى. أنهم باشروا قتلهم أولا فما أغنى عنهم ، ونفذ قضاء الله بإظهار من خافوه ، فما يغنى عنهم هذا القتل الثاني ، وكان فرعون قد كف عن قتل الولدان ، فلما بعث موسى وأحس بأنه قد وقع : أعاده عليهم غيظا وحنقا ، وظنا منه أنه يصدهم بذلك عن مظاهرة موسى ، وما علم أنّ كيده ضائع في الكرتين جميعا.
(وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ)(٢٦)
(ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى) كانوا إذا همّ بقتله كفوه بقولهم : ليس بالذي تخافه ، وهو أقل من ذلك وأضعف ، وما هو إلا بعض السحرة ، ومثله لا يقاوم إلا ساحرا مثله ، ويقولون : إذا قتلته أدخلت الشبهة على الناس ، واعتقدوا أنك قد عجزت عن معارضته بالحجة ، والظاهر أنّ فرعون لعنه الله كان قد استيقن أنه نبىّ ، وأنّ ما جاء به آيات وما هو بسحر ، ولكن الرجل كان فيه خب وجربزة ، وكان قتالا سفاكا الدماء في أهون شيء ، فكيف لا يقتل من أحس منه بأنه هو الذي يثل عرشه ويهدم ملكه ، ولكنه كان يخاف إن همّ بقتله أن يعاجل بالهلاك. وقوله
__________________
(١) ورأيت زوجك في الوغى |
|
متقلدا سيفا ورمحا |
الوغى : الحرب. ورمحا : نصب بمحذوف يناسبه ، أى : متقلدا سيفا وحاملا رمحا. وروى بدل الشطر الأول : يا ليت زوجك قد غدا أى ذهب إلى الحرب غدوة لابسا سلاحه.