مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٨٠) وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ)(٨١)
الأنعام : الإبل خاصة. فإن قلت : لم قال (لِتَرْكَبُوا مِنْها) ولتبلغوا عليها ، ولم يقل ، لتأكلوا منها ولتصلوا إلى منافع؟ أو هلا قال : منها تركبون ومنها تأكلون وتبلغون (١) عليها حاجة في صدوركم؟ قلت : في الركوب : الركوب في الحج والغزو ، وفي بلوغ الحاجة : الهجرة من بلد إلى بلد لإقامة دين أو طلب علم ، وهذه أغراض دينية إمّا واجبة أو مندوب إليها مما يتعلق به إرادة الحكيم. وأما الأكل وإصابة المنافع : فمن جنس المباح الذي لا يتعلق (٢) به إرادته : ومعنى قوله (وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) وعلى الأنعام وحدها لا تحملون ، ولكن عليها وعلى الفلك في البر والبحر. فإن قلت : هلا قيل : وفي الفلك ، كما قال (قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ)؟ قلت : معنى الإيعاء (٣) ومعنى الاستعلاء : كلاهما مستقيم ، لأنّ الفلك وعاء لمن يكون فيها حمولة له يستعليها ، فلما صح المعنيان صحت العبارتان. وأيضا فليطابق قوله (وَعَلَيْها) ويزاوجه (فَأَيَّ آياتِ اللهِ) جاءت على اللغة المستفيضة. وقولك : فأية آيات الله قليل ، لأنّ التفرقة بين المذكر والمؤنث في الأسماء غير الصفات نحو حمار وحمارة غريب ، وهي في أى أغرب لإبهامه.
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
__________________
(١) قال محمود : «فان قلت : هلا قيل لتركبوا منها ولتأكلوا منها ولتبلغوا ، ومنها تركبون ومنها تأكلون ، وعليها تبلغون؟ وأجاب بأن في الركوب الركوب في الغزو والحج ، وفي بلوغ الحاجة الهجرة من بلد إلى بلد لاقامة دين أو علم ، وهذه أغراض دينية : إما واجبة أو مندوبة مما يتعلق به إرادة الحكيم. وأما الأكل وإصابة المنافع فمن جنس المباح الذي لا يتعلق به الارادة» قال أحمد : جواب متداع للسقوط مؤسس على قاعدة واهية ، وهي أن الأمر راجع إلى الارادة ، فالواجب والمندوب مرادان ، لأنهما مندرجان في الأمر ، والمباح غير مراد ، لأنه غير مأمور به ، وهذا من هنيات المعتزلة في إنكار كلام النفس ، فلا نطيل فيه النفس. وقاعدة أهل الحق أنه لا ربط بين الأمر والارادة ، فقد يأمر بخلاف ما يريد ، ويريد خلاف ما يأمر به ، فالجواب الصحيح إذا أن المقصود المهم من الأنعام والمنفعة المشهورة فيها إنما هي الركوب وبلوغ الحوائج عليها بواسطة الأسفار والانتقال في ابتغاء الأوطار ، فلذلك ذكرهما هنا مقرونين باللام الدالة على التعليل والغرض. وأما الأكل وبقية المنافع كالأصواف والأوبار والألبان وما يجرى مجراها فهي وإن كانت حاصلة منها فغير خاصة بها خصوص الركوب والحمل وتوابع ذلك ، بل الأكل بالغنم خصوصا الضأن أشهر ، فلذلك اختيرت الضحايا منها على الغنم ، فلذلك جردت هذه المنافع بالأخبار عن وجودها فيها غير مقرونة بما يدل على أنها المقصود.
(٢) قوله «المباح الذي لا يتعلق به» مبنى على مذهب المعتزلة : أن الارادة بمعنى الأمر فلا تتعلق إلا بالمطلوب. وعند أهل السنة : هي صفة تخصص الممكن ببعض ما يجوز عليه ، فتتعلق بجميع الممكنات ، كما تقرر في علم التوحيد. (ع)
(٣) قوله «معنى الايعاء» في الصحاح : أوعيت الزاد والمتاع : إذا جعلته في الوعاء. (ع)