عليه. وأصله من إصرار الحمار على العانة (١) وهو أن ينحى عليها صارّا أذنيه (مُسْتَكْبِراً) عن الإيمان بالآيات والإذعان لما ينطق به من الحق ، مزدريا لها معجبا بما عنده. قيل : نزلت في النضر بن الحرث وما كان يشترى من أحاديث الأعاجم ، ويشغل الناس بها عن استماع القرآن. والآية عامّة في كل ما كان مضارّا لدين الله. فإن قلت : ما معنى ثم في قوله (ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً)؟ قلت : كمعناه في قول القائل :
يرى غمرات الموت ثمّ يزورها (٢)
وذلك أنّ غمرات الموت حقيقة ، بأن ينجو رائيها بنفسه ويطلب الفرار عنها. وأمّا زيارتها والإقدام على مزاولتها. فأمر مستبعد ، فمعنى ثم : الإيذان بأن فعل المقدّم عليها بعد ما رآها وعاينها ، شيء يستبعد في العادات والطباع ، وكذلك آيات الله الواضحة الناطقة بالحق ، من تليت عليه وسمعها : كان مستبعدا في العقول إصراره على الضلالة عندها واستكباره عن الإيمان بها (كَأَنْ) مخففة ، والأصل كأنه لم يسمعها : والضمير ضمير الشأن ، كما في قوله :
كأن ظبية تعطو إلى ناضر السّلم (٣)
ومحل الجملة النصب على الحال. أى : يصير مثل غير السامع (وَإِذا) بلغه شيء من آياتنا وعلم أنه منها (اتَّخَذَها) أى اتخذ الآيات (هُزُواً) ولم يقل : اتخذه ، للإشعار بأنه إذا أحس بشيء من الكلام أنه من جملة الآيات التي أنزلها الله تعالى على محمد صلى الله عليه وسلم : خاض في الاستهزاء بجميع الآيات. ولم يقتصر على الاستهزاء بما بلغه ، ويحتمل : وإذا علم من آياتنا شيئا
__________________
(١) قوله «من إصرار الحمار على العانة» جماعة حمر الوحش كما في الصحاح. وفيه أيضا : ضر الفرس أذنيه :
ضمها إلى رأسه ، فإذا لم يوقعوا قالوا : أصر الفرس ، بالألف. (ع)
(٢) تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الثالث صفحة ٥١٥ فراجعه إن شئت اه مصححه.
(٣) فيوما توافينا بوجه مقسم |
|
كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم |
ويوما تريد مالنا مع مالها |
|
فان لم ننلها لم تنمنا ولم تتم |
الباعث بن صريم اليشكري يذكر حال امرأته. ويوما : ظرف مقدم. ويروى : ويوم ، أى : ورب يوم تقابلنا فيه ولا حاجة لتقدير الرابط على نصب اليوم. وقسم قساما وقسامة ، كجمل جمالا. وظرف ظرافة. والمقسم : المحسن. وكأن : مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير المرأة ، أو ضمير الشأن. وظبية : بالرفع على الأول خبر. وعلى الثاني : مبتدأ ، وهو مع خبره خبر كان. وتعطو : صفة على الأول ، وهو الخبر على الثاني. ويروى : ظبية ، بالنصب ، فهو الاسم وإن كان عملها مخففة قليلا. ويروى : مجرورا بالكاف ، وإن : زائدة بين الجار والمجرور : وتعطو : تأخذ وتتناول ، ماثلة إلى وارق السلم. ومن النوادر : أورق فهو وارق. وأينع فهو يانع. والقياس : مورق ، أى : كثير الورق. ويروى : ناضر ، بدل : وارق. والسلم : شجر العضاء ، هذا شأنها في يوم. وفي يوم آخر تؤذينا فتريد مالنا منضما إلى مالها ، فان نعطها لم تتركنا ننام من كثرة كلامها وإيذائها ، ولم تنم هي أيضا. واليوم هنا : مطلق الزمن.