(اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (١٣)
(وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) بالتجارة أو بالغوص على اللؤلؤ والمرجان واستخراج اللحم الطري وغير ذلك من منافع البحر. فإن قلت : ما معنى (مِنْهُ) في قوله (جَمِيعاً مِنْهُ) وما موقعها من الإعراب ، قلت : هي واقعة موقع الحال ، والمعنى : أنه سخر هذه الأشياء كائنة منه وحاصلة من عنده ، يعنى : أنه مكوّنها وموجدها بقدرته وحكمته ، ثم مسخرها لخلقه. ويجوز أن يكون خبر مبتدإ محذوف ، تقديره : هي جميعا منه ، وأن يكون (وَسَخَّرَ لَكُمْ) تأكيدا لقوله تعالى (سَخَّرَ لَكُمْ) ثم ابتدئ قوله : (ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) وأن يكون (ما فِي الْأَرْضِ) مبتدأ ، و (مِنْهُ) خبره. وقرأ ابن عباس رضى الله عنهما : منة ، وقرأ سلمة بن محارب : منه ، على أن يكون منه فاعل سخر على الإسناد المجازى. أو على أنه خبر مبتدإ محذوف ، أى : ذلك. أو هو منه.
(قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ)(١٥)
حذف المقول لأنّ الجواب دال عليه. والمعنى : قل لهم اغفروا يغفروا (لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) لا يتوقعون وقائع الله بأعدائه ، من قولهم لوقائع العرب : أيام العرب. وقيل : لا يأملون الأوقات التي وقتها الله لثواب المؤمنين ووعدهم الفوز فيها. قيل : نزلت قبل آية القتال ، ثم نسخ حكمها. وقيل : نزولها في عمر رضى الله عنه ـ وقد شتمه رجل من غفار فهمّ أن يبطش به. وعن سعيد بن المسيب : كنا بين يدي عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقرأ قارئ هذه الآية ، فقال عمر : ليجزي عمر بما صنع (لِيَجْزِيَ) تعليل الأمر بالمغفرة ، أى : إنما أمروا بأن يغفروا لما أراده الله من توفيتهم جزاء مغفرتهم يوم القيامة. فإن قلت : قوله (قَوْماً) ما وجه تنكيره وإنما أراد الذين آمنوا وهم معارف؟ قلت : هو مدح لهم وثناء عليهم ، كأنه قيل. ليجزي أيما قوم وقوما (١) مخصوصين ، لصبرهم وإغضائهم على أذى أعدائهم من الكفار ، وعلى ما كانوا
__________________
(١) قوله «أيما قوم وقوما مخصوصين» لعله : أو قوما. (ع)