أى : هو مطواع لهوى النفس يتبع ما تدعوه إليه ، فكأنه يعبده كما يعبد الرجل إلهه.
وقرئ : آلهة هواه ، لأنه كان يستحسن الحجر فيعبده ، فإذا رأى ما هو أحسن رفضه إليه ، فكأنه اتخذ هواه آلهة شتى : يعبد كل وقت واحدا منها (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) وتركه عن الهداية (١) واللطف وخذله على علم ، عالما بأنّ ذلك لا يجدى عليه ، وأنه ممن لا لطف له. أو مع علمه بوجوه الهداية وإحاطته بأنواع الألطاف المحصلة والمقرّبة (٢) (فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ) إضلال (اللهُ) وقرئ : غشاوة ، بالحركات الثلاث. وغشوة ، بالكسر والفتح. وقرئ : تتذكرون
(وَقالُوا ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ)(٢٤)
(نَمُوتُ وَنَحْيا) نموت نحن ويحيا أولادنا. أو يموت بعض ويحيا بعض. أو نكون مواتا نطفا في الأصلاب ، ونحيا بعد ذلك. أو يصيبنا الأمران : الموت والحياة ، يريدون : الحياة في الدنيا والموت بعدها ، وليس وراء ذلك حياة. وقرئ : نحيا ، بضم النون. وقرئ : إلا دهر يمرّ ، وما يقولون ذلك عن علم ، ولكن عن ظنّ وتخمين : كانوا يزعمون أنّ مرور الأيام والليالي هو المؤثر في هلاك الأنفس ، وينكرون ملك الموت وقبضه الأرواح بأمر الله ، وكانوا يضيفون كل حادثة تحدث إلى الدهر والزمان ، وترى أشعارهم ناطقة بشكوى الزمان. ومنه قوله عليه السلام : «لا تسبوا الدهر ، فإنّ الله هو الدهر» (٣) أى : فإنّ الله هو الآتي بالحوادث لا الدهر.
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)(٢٦)
وقرئ : حجتهم بالنصب والرفع ، على تقديم خبر كان وتأخيره. فإن قلت : لم سمى قولهم حجة وليس بحجة؟ قلت : لأنهم أدلوا به كما يدلى المحتج بحجته وساقوه مساقها ، فسميت حجة
__________________
(١) قوله «وتركه عن الهداية» تأويل الآية بذلك لتوافق مذهب المعتزلة : أنه لا يريد الشر ولا يفعله.
وعند أهل السنة : لا يقع في ملكه إلا ما يريد ، والله خالق كل شيء ، فالاضلال : خلقه الضلال في القلب. (ع)
(٢) قوله «المحصلة والمقربة» يعنى. للهداية. (ع)
(٣) متفق عليه من حديث أبى هريرة ، واللفظ لمسلم.