لا تزر ، والضمير ضمير الشأن ، ومحل أن وما بعدها : الجر بدلا من ما في صحف موسى. أو الرفع على : هو أن لا تزر ، كأن قائلا قال : وما في صحف موسى وإبراهيم ، فقيل : أن لا تزر (إِلَّا ما سَعى) إلا سعيه. فإن قلت : أما صح في الأخبار : الصدقة عن الميت ، والحج عنه ، وبه الإضعاف؟ قلت : فيه جوابان ، أحدهما : أن سعى غيره لما لم ينفعه إلا مبنيا على سعى نفسه. وهو أن يكون مؤمنا صالحا وكذلك الإضعاف ـ كأن سعى غيره كأنه سعى نفسه ، لكونه تابعا له وقائما بقيامه. والثاني ، أن سعى غيره لا ينفعه إذا عمله لنفسه ، ولكن إذا نواه به فهو بحكم الشرع كالنائب عنه والوكيل القائم مقامه (ثُمَّ يُجْزاهُ) ثم يجزى العبد سعيه ، يقال : جزاه الله عمله وجزاه على عمله ، بحذف الجار وإيصال الفعل. ويجوز أن يكون الضمير للجزاء ، ثم فسره بقوله (الْجَزاءَ الْأَوْفى) أو أبدله عنه ، كقوله تعالى : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) ، (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) قرئ بالفتح على معنى : أن هذا كله في الصحف ، وبالكسر على الابتداء ، وكذلك ما بعده. والمنتهى : مصدر بمعنى الانتهاء ، أى : ينتهى إليه الخلق ويرجعون إليه ، كقوله تعالى (إِلَى اللهِ الْمَصِيرُ). (أَضْحَكَ وَأَبْكى) خلق قوتي الضحك والبكاء (١) (إِذا تُمْنى) إذا تدفق في الرحم ، يقال : منى وأمنى. وعن الأخفش : تخلق من منى المانى ، أى قدر المقدّر : قرئ : النشأة والنشاءة بالمد. وقال (عَلَيْهِ) لأنها واجبة (٢) عليه في الحكمة (٣) ، ليجازى على الإحسان والإساءة (وَأَقْنى) وأعطى القنية وهي المال الذي تأثلته وعزمت أن لا تخرجه من يدك (الشِّعْرى) مرزم الجوزاء (٤) : وهي التي تطلع وراءها ، وتسمى كلب الجبار ، وهما شعريان الغميصاء والعبور وأراد العبور. وكانت خزاعة تعبدها ، سنّ لهم ذلك أبو كبشة رجل من أشرافهم ،
__________________
(١) قال محمود : «أى خلق قوتي الضحك والبكاء» قال أحمد : وخلق أيضا فعلى الضحك والبكاء على قواعد السنة ، وعليه دلت الآية غير مثابرة لتحريفه ، والله الموفق.
(٢) قال محمود : «إنما قال عليه لأنها واجبة عليه ... الخ» قال أحمد : هذا من فساد اعتقاد المعتزلة الذي يسمونه مراعاة الصلاح والحكمة ، وأى فساد أعظم مما يؤدى إلى اعتقاد المعتزلة الإيجاب على رب الأرباب ، تعالى الله عن ذلك. ومثل هذه القاعدة التي عفت البراهين القاطعة رسمها وأبطلت حكمها لا يكفى فيها كلمة محتملة : هي لو كانت ظاهرة لوجب تنزيلها على ما يوفق بينها وبين القواطع ، والذي حملت عليه لفظة عليه غير هذا المعنى : وهو أن المراد أن أمر النشأة الأخرى يدور على قدرته عز وجل وإرادته ، كما يقال : دارت قضية فلان على يدي. وقول المحدثين. على يدي دار الحديث ، أى هو الأصل فيه والسند ، والله أعلم.
(٣) قوله «لأنها واجبة عليه في الحكمة» هذا عند المعتزلة لا عند أهل السنة. (ع)
(٤) قوله «مرزم الجوزاء» في الصحاح «المرزمان» مرزما الشعريين ، وهما نجمان : أحدهما في الشعرى ، والآخر في الذراع اه. (ع)