أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (٥٣) قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ)(٥٤) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ (٥٥) قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (٥٦) وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ)(٥٧)
فإن قلت : علام عطف قوله (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ)؟ قلت : على يطاف عليهم. والمعنى : يشربون فيتحادثون على الشراب كعادة الشرب (١) ، قال :
وما بقيت من اللّذّات إلّا |
|
أحاديث الكرام على المدام (٢) |
فيقبل بعضهم على بعض (يَتَساءَلُونَ) عما جرى لهم وعليهم في الدنيا ، إلا أنه جيء به ماضيا على عادة الله في أخباره. قرئ : من المصدّقين ، من التصديق. ومن المصّدّقين مشدّد الصاد ، من التصدّق ، وقيل : نزلت في رجل تصدّق بماله لوجه الله ، فاحتاج فاستجدى بعض إخوانه ، فقال : وأين مالك؟ قال : تصدقت به ليعوضنى الله به في الآخرة خيرا منه ، فقال : أإنك لمن المصدّقين بيوم الدين. أو من المتصدّقين لطلب الثواب. والله لا أعطيك شيئا (لَمَدِينُونَ) لمجزيون ، من الدين وهو الجزاء. أو لمسوسون مربوبون. يقال : دانه ساسة. ومنه الحديث : «العاقل من دان نفسه ، (٣). (قالَ) يعنى ذلك القائل (هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ) إلى النار لأريكم ذلك القرين. قيل : إن في الجنة كوى ينظر أهلها منها إلى أهل النار. وقيل : القائل هو الله عز وجل : وقيل بعض الملائكة يقول لأهل الجنة : هل تحبون أن تطلعوا فتعلموا أين منزلتكم من منزلة أهل النار. وقرئ. مطلعون ، فاطلع. وفأطلع بالتشديد ، على لفظ الماضي والمضارع المنصوب : ومطلعون فاطلع ، وفأطلع بالتخفيف ، على لفظ الماضي والمضارع المنصوب. يقال : طلع علينا فلان ، واطلع ، وأطلع بمعنى واحد ، والمعنى : هل أنتم مطلعون إلى القرين فأطلع أنا أيضا. أو عرض عليهم الاطلاع فاعترضوه ، فاطلع هو بعد ذلك. وإن جعلت الإطلاع من أطلعه غيره ، فالمعنى : أنه لما شرط في اطلاعه اطلاعهم ، وهو من
__________________
(١) قوله «كعادة الشرب» جمع شارب ، كالصحب جمع صاحب ، كذا في الصحاح. (ع)
(٢) الفرزدق ، يقول : وما بقيت لذة من اللذات إلا لذة أحاديث الكرام ، أو ما بقيت شهوة من الشهوات اللذيذة إلا أحاديث الكرام على الخمر ، وأتى بحرف الاستعلاء لأن الشراب يكون بين أيديهم والحديث من أفواههم فوقه ، وكان الظاهر : وما بقي من اللذات ، لكن أنث الفعل لأنه مفرغ لما بعد إلا ، أو للتأويل المتقدم.
(٣) أخرجه الترمذي وابن ماجة ، والحاكم وأحمد والبزار وأبو يعلى والحرث والطبراني كلهم من رواية أبى بكر ابن أبى مريم عن ضمرة بن حبيب عن شداد بن أوس.