عليه من عبادة الله والطاعة ولم يستكبر عن السجود لآدم ولم يكفر وتبعه ولده على الإسلام ، لأنعمنا عليهم ولوسعنا رزقهم. وذكر الماء الغدق وهو الكثير بفتح الدال وكسرها. وقرئ بهما ، لأنه أصل المعاش وسعة الرزق (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) لنختبرهم فيه كيف يشكرون ما خوّلوا منه. ويجوز أن يكون معناه : وأن لو استقام الجن الذين استمعوا على طريقتهم التي كانوا عليها قبل الاسماع ولم ينتقلوا عنها إلى الإسلام لوسعنا عليهم الرزق مستدرجين لهم ، لنفتنهم فيه : لتكون النعمة سببا في اتباعهم شهواتهم ، ووقوعهم في الفتنة ، وازديادهم إثما ، أو لنعذبهم في كفران النعمة (عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ) عن عبادته أو عن موعظته أو عن وحيه (يَسْلُكْهُ) وقرئ بالنون مضمومة ومفتوحة ، أى : ندخله (عَذاباً) والأصل : نسلكه في عذاب ، كقوله (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) فعدّى إلى مفعولين : إمّا بحذف الجار وإيصال الفعل ، كقوله (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ) وإمّا بتضمينه معنى «ندخله» يقال : سلكه وأسلكه. قال :
حتّى إذا أسلكوهم في قتائدة (١)
والصعد : مصدر صعد ، يقال : صعد صعدا وصعودا ، فوصف به العذاب ، لأنه يتصعد المعذب أى يعلوه ويغلبه فلا يطيقه. ومنه قول عمر رضى الله عنه : ما تصعدنى شيء ما تصعدتنى خطبة النكاح (٢) ، يريد : ما شق علىّ ولا غلبني.
(وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً)(١٨)
(وَأَنَّ الْمَساجِدَ) من جملة الموحى. وقيل معناه : ولأن المساجد (لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا) على أنّ اللام متعلقة بلا تدعوا ، أى : فلا تدعوا (مَعَ اللهِ أَحَداً) في المساجد ، لأنها لله خاصة ولعبادته. وعن الحسن : يعنى الأرض كلها ، لأنها جعلت للنبي صلى الله عليه وسلم مسجدا. وقيل : المراد بها المسجد الحرام ، لأنه قبلة المساجد. ومنه قوله تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) وعن قتادة : كان اليهود والنصارى إذا دخلوا بيعهم وكنائسهم أشركوا بالله ، فأمرنا أن نخلص لله الدعوة إذا دخلنا المساجد. وقيل : المساجد أعضاء السجود السبعة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أمرت أن أسجد على سبعة آراب : وهي الجبهة ، والأنف ، واليدان ،
__________________
(١) قوله «إذا أسلكوهم في قتائدة» في الصحاح : «قتائدة» اسم عقبة. قال عبد مناف بن ربع :
حتى إذا أسلكوهم في قتائدة |
|
شلا كما تطرد الجمالة الشردا |
والشل : الطرد. والشرد : جمع شارد ، كالخدم جمع خادم. (ع)
(٢) حدثني أبو عبيدة في الغريب من رواية هشام بن عروة عن أبيه عن عمر بهذا ، وهو منقطع.