(وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ)(٧)
قرأ الحسن : ولا تمنّ. وتستكثر ، مرفوع منصوب المحل على الحال ، أى : ولا تعط مستكثرا رائيا لما تعطيه كثيرا ، أو طالبا للكثير : نهى عن الاستغزار : وهو أن يهب شيئا وهو يطمع أن يتعوّض من الموهوب له أكثر من الموهوب ، وهذا جائز. ومنه الحديث «المستغزر يثاب من هبته» (١) وفيه وجهان ، أحدهما : أن يكون نهيا خاصا برسول الله صلى الله عليه وسلم : لأنّ الله تعالى اختار له أشرف الآداب وأحسن الأخلاق. والثاني : أن يكون نهى تنزيه لا تحريم له ولأمّته. وقرأ الحسن : تستكثر ، بالسكون. وفيه ثلاثة أوجه ، الإبدال من تمنن. كأنه قيل : ولا تمنن لا تستكثر ، على أنه من المنّ في قوله عز وجل (ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً) لأنّ من شأن المنان بما يعطى أن يستكثره ، أى : يراه كثيرا ويعتدّ به ، وأن يشبه ثرو بعضد ، فيسكن تخفيفا ، وأن يعتبر حال الوقف. وقرأ الأعمش بالنصب بإضمار «أن» كقوله :
ألا أيّهذا الزّاجرى أحضر الوغى (٢)
وتؤيده قراءة ابن مسعود : ولا تمنن أن تستكثر. ويجوز في الرفع أن تحذف «أن» ويبطل عملها ، كما روى : أحضر الوغى بالرفع ، (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) ولوجه الله ، فاستعمل الصبر. وقيل : على أذى المشركين. وقيل : على أداء الفرائض. وعن النخعي : على عطيتك ، كأنه وصله بما قبله ، وجعله صبرا على العطاء من غير استكثار. والوجه أن يكون أمرا بنفس الفعل ، وأن يتناول على العموم كل مصبور عليه ومصبور عنه ، ويراد الصبر على أذى الكفار ، لأنه أحد ما يتناوله العام.
(فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ)(١٠)
والغاء في قوله (فَإِذا نُقِرَ) للتسبيب ، كأنه قال : اصبر على أذاهم ، فبين أيديهم يوم عسير يلقون فيه عاقبة أذاهم ، وتلقى فيه عاقبة صبرك عليه. والفاء في (فَذلِكَ) للجزاء. فإن قلت : بم انتصب إذا ، وكيف صح أن يقع (يَوْمَئِذٍ) ظرفا ليوم عسير؟ قلت : انتصب إذا بما دلّ
__________________
(١) تقدم في الروم من قول شريح.
(٢) تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ١٥٩ فراجعه إن شئت اه مصححه.