سورة المرسلات
مكية ، [إلا آية ٤٨ فمدنية] وآياتها ٥٠ [نزلت بعد الهمزة]
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (١) فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (٢) وَالنَّاشِراتِ نَشْراً (٣) فَالْفارِقاتِ فَرْقاً (٤) فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً (٥) عُذْراً أَوْ نُذْراً)(٦)
أقسم سبحانه بطوائف من الملائكة ، أرسلهنّ بأوامره فعصفن في مضيهن كما تعصف الرياح ، تخففا في امتثال أمره ، وبطوائف منهم نشرن أجنحتهن في الجو عند انحطاطهن بالوحي. أو نشرن الشرائع في الأرض. أو نشرن النفوس الموتى بالكفر والجهل بما أوحين ، ففرّقن بين الحق والباطل ، فألقين ذكرا إلى الأنبياء (عُذْراً) للمحقين (أَوْ نُذْراً) للمبطلين. أو أقسم برياح عذاب أرسلهن. فعصفن ، وبرياح رحمة نشرن السحاب في الجوّ ففرّقن بينه ، كقوله : (وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً) أو بسحائب نشرن الموات ، ففرّقن بين هن يشكر لله تعالى وبين من يكفر ، كقوله (لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) فألقين ذكرا إمّا عذرا للذين يعتذرون إلى الله بتوبتهم واستغفارهم إذا رأوا نعمة الله في الغيث ويشكرونها ، وإما إنذارا الذين يغفلون الشكر لله وينسبون ذلك إلى الأنواء ، وجعلن ملقيات للذكر لكونهن سببا في حصوله إذا شكرت النعمة فيهن أو كفرت. فإن قلت : ما معنى عرفا؟ قلت : متتابعة كشعر العرف (١). يقال : جاءوا عرفا واحدا ، وهم عليه كعرف الضبع : إذا تألبوا عليه ، ويكون بمعنى العرف الذي هو نقيض النكر ، وانتصابه على أنه مفعول له ، أى : أرسلن للإحسان والمعروف ، والأول على الحال. وقرئ : عرفا على التثقيل ، نحو نكر في نكر. فإن قلت : قد فسرت المرسلات بملائكة العذاب ، فكيف يكون إرسالهم معروفا؟ قلت : إن لم يكن معروفا للكفار فإنه معروف للأنبياء والمؤمنين الذين انتقم الله لهم منهم. فإن قلت : ما العذر والنذر ، وبما انتصبا؟ قلت : هما مصدران من أعذر إذا محا الإساءة ، ومن أنذر إذا خوّف على
__________________
(١) قوله «كشعر العرف» في الصحاح «العرف» : عرف الفرس. وقوله تعالى (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً) يقال : هو مستعار من عرف الفرس ، أى : يتتابعون كعرف الفرس. وفيه «تألبوا» : تجمعوا. (ع)