الدنيا وفظائعها. و (ما أَكْفَرَهُ) تعجب (١) من إفراطه في كفران نعمة الله ، ولا ترى أسلوبا أغلظ منه. ولا أخشن مسا ، ولا أدل على سخط ، ولا أبعد شوطا في المذمة ، مع تقارب طرفيه ، ولا أجمع للأئمة على قصر متنه ثم أخذ في وصف حاله من ابتداء حدوثه ، إلى أن انتهى وما هو مغمور فيه من أصول النعم وفروعها ، وما هو غارز فيه رأسه من الكفران والغمط (٢) وقلة الالتفات إلى ما يتقلب فيه وإلى ما يجب عليه من القيام بالشكر (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) من أى شيء حقير (٣) مهين خلقه ، ثم بين ذلك الشيء بقوله (مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) فهيأه لما يصلح له ويختص به. ونحوه (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً). نصب السبيل بإضمار «يسر» وفسره بيسر والمعنى : ثم سهل سبيله وهو مخرجه من بطن أمّه. أو السبيل الذي يختار سلوكه من طريقى الخير والشر بإقداره وتمكينه ، كقوله (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) وعن ابن عباس رضى الله عنهما : بين له سبيل الخير والشر (فَأَقْبَرَهُ) فجعله ذا قبر يوارى فيه تكرمة له ، ولم يجعله مطروحا على وجه الأرض جزرا للسباع والطير كسائر الحيوان. يقال : قبر الميت إذا دفنه. وأقبره الميت. إذا أمره أن يقبره ومكنه منه. ومنه قول من قال للحجاج : أقبرنا صالحا (أَنْشَرَهُ) أنشأه النشأة الأخرى. وقرئ : نشره (كَلَّا) ردع للإنسان عما هو عليه (لَمَّا يَقْضِ) لم يقض بعد ، مع تطاول الزمان وامتداده من لدن آدم إلى هذه الغاية (ما أَمَرَهُ) الله حتى يخرج عن جميع أوامره ، يعنى : أنّ إنسانا لم يخل من تقصير قط.
(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ (٢٤) أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦) فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (٢٧) وَعِنَباً وَقَضْباً (٢٨) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (٢٩) وَحَدائِقَ غُلْباً (٣٠) وَفاكِهَةً وَأَبًّا (٣١) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) (٣٢)
__________________
ـ من باب إضافة الشق إلى الحراث ، لأنه السبب. قتل القدري ما أكفره على قول ، وما أضله على آخر ، وإذا جعل شق الأرض مضافا إلى الحراث حقيقة ، وإلى الله مجازا ، فما يمنعه أن يجعل الحراث هو الذي صبب الماء وأنبت الحب ، والعقب والقضب : حقيقة ، وهل هما إلا واحد.
(١) قوله «تعجب من إفراطه» لعله : تعجيب. (ع)
(٢) قوله «من الكفران والغمط» بطر النعمة وتحقيرها. أفاده الصحاح. (ع)
(٣) قوله «من أى شيء خلقه من أى شيء حقير» لعله : أى من شيء ... الخ». (ع)