عليها بعد هذا التبكيت فيفعل بها ما تنسى عنده فعل المبكت من العذاب الشديد السرمد. وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه سئل عن ذلك ، فاحتجّ بهذه الآية (نُشِرَتْ) قرئ بالتخفيف والتشديد ، يريد : صحف الأعمال تطوى صحيفة الإنسان عند موته ، ثم تنشر إذا حوسب. عن قتادة : صحيفتك يا ابن آدم تطوى على عملك ، ثم تنشر يوم القيامة ، فلينظر رجل ما يملى في صحيفته. وعن عمر رضى الله عنه أنه كان إذا قرأها قال : إليك يساق الأمر يا ابن آدم. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «يحشر الناس عراة حفاة» فقالت أمّ سلمة : كيف بالنساء؟ فقال : شغل الناس يا أمّ سلمة» قالت : وما شغلهم؟ قال : نشر الصحف فيها مثاقيل الذرّ ومثاقيل الخردل (١) ويجوز أن يراد : نشرت بين أصحابها ، أى فرقت بينهم. وعن مرثد بن وداعة : إذا كان يوم القيامة تطايرت الصحف من تحت العرش ، فتقع صحيفة المؤمن في يده في جنة عالية ، وتقع صحيفة الكافر في يده في سموم وحميم أى مكتوب فيها ذلك ، وهي صحف غير صحف الأعمال (كُشِطَتْ) كشفت وأزيلت ، كما يكشط الإهاب عن الذبيحة ، والغطاء عن الشيء. وقرأ ابن مسعود : قشطت. واعتقاب الكاف والقاف كثير. يقال : لبكت الثريد ولبقته ، والكافور والقافور (سُعِّرَتْ) أو قدت إيقادا شديدا. وقرئ : سعرت بالتشديد للمبالغة. قيل : سعرها عضب الله تعالى وخطايا بنى آدم (أُزْلِفَتْ) أدنيت من المتقين ، كقوله تعالى (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ) قيل : هذه اثنتا عشرة خصلة. ست منها في الدنيا ، وست في الآخرة. و (عَلِمَتْ) : هو عامل النصب في (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) وفيما عطف عليه. فإن قلت : كل نفس تعلم ما أحضرت ، كقوله (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً) لا نفس واحدة. فما معنى قوله (عَلِمَتْ نَفْسٌ)؟ قلت : هو من عكس كلامهم الذي يقصدون به الإفراط فيما بعكس عنه. ومنه قوله عز وجل : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) ومعناه : معنى كم وأبلغ منه. وقول القائل :
قد أترك القرن مصفرّا أنامله (٢)
وتقول لبعض قوّاد العساكر : كم عندك من الفرسان؟ فيقول : رب فارس عندي. أولا تعدم عندي فارسا ، وعنده المقانب (٣) ، وقصده بذلك التمادي في تكثير فرسانه ، ولكنه أراد
__________________
(١) أخرجه الثعلبي من طريق محمد بن أبى موسى عن عطاء بن يسار عن أم سلمة بهذا. وأصله في الصحيحين عن عائشة ، وأخرجه الحاكم من حديث سودة.
(٢) تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ٢٠٢ فراجعه إن شئت اه مصححه.
(٣) قوله «وعنده المقانب في الصحاح «المقنب» : ما بين لثلاثين إلى الأربعين من الخيل. (ع)