ما تيسر لهم من الفتوح في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وما تيسر لهم في أيام الخلفاء (١) ، وأن يراد يسر الدنيا ويسر الآخرة ، كقوله تعالى (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) وهما حسنى الظفر وحسنى الثواب. فإن قلت ؛ فما معنى هذا التنكير؟ قلت : التفخيم ، كأنه قيل إن مع العسر يسرا عظيما وأىّ يسر ، وهو في مصحف ابن مسعود مرة واحدة. فإن قلت : فإذا ثبت في قراءته غير مكرر ، فلم قال : والذي نفسي بيده ، لو كان العسر في جحر لطلبه اليسر حتى يدخل عليه ، إنه لن يغلب عسر يسرين (٢)؟ قلت : كأنه قصد باليسرين : ما في قوله (يُسْراً) من معنى التفخيم ، فتأوله بيسر الدارين ، وذلك يسران في الحقيقة.
(فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ)(٨)
فإن قلت : فكيف تعلق قوله (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) بما قبله؟ قلت : لما عدد عليه نعمه السالفة ووعده الآنفة ، بعثه على الشكر والاجتهاد في العبادة والنصب فيها ، وأن يواصل بين بعضها وبعض ، ويتابع ويحرص على أن لا يخلى وقتا من أوقاته منها. فإذا فرغ من عبادة ذنبها بأخرى. وعن ابن عباس : فإذا فرغت من صلاتك فاجتهد في الدعاء. وعن الحسن : فإذا فرغت من الغزو فاجتهد في العبادة. وعن مجاهد : فإذا فرغت من دنياك فانصب في صلاتك. وعن الشعبي : أنه رأى رجلا يشيل حجرا فقال : ليس بهذا أمر الفارغ ، وقعود الرجل فارغا من غير شغل أو اشتغاله بما لا يعنيه في دينه أو دنياه : من سفه الرأى وسخافة العقل واستيلاء الغفلة ، ولقد قال عمر رضى الله عنه : إنى لأكره أن أرى أحدكم فارغا سهلا لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة (٣). وقرأ أبو السمال : فرغت ـ بكسر الراء ـ وليست بفصيحة. ومن البدع : ما روى عن بعض الرافضة أنه قرأ فانصب بكسر الصاد ، أى فانصب عليا للإمامة ، ولو صح هذا للرافضى لصح الناصبي أن يقرأ هكذا ، ويجعله أمرا بالنصب (٤) الذي هو بغض علىّ وعداوته (وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ) واجعل رغبتك إليه خصوصا ، ولا تسأل إلا فضله متوكلا عليه. وقرئ : فرغب أى : رغب الناس إلى طلب ما عنده.
عن النبي صلى الله عليه وسلم : «من قرأ ألم نشرح ، فكأنما جاءني وأنا مغتم ففرج عنى» (٥)
__________________
(١) قوله «وما تيسر لهم في أيام الخلفاء» لعله : وما يتيسر ، بصيغة المضارع. (ع)
(٢) حديث ابن مسعود : أخرجه عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان عن ميمون أبى حمزة عن ابراهيم عن ابن مسعود قال : «لو كان العسر في جحر ضب لتبعه اليسر حتى يستخرجه : لن يغلب عسر يسرين».
(٣) لم أجده ، وقد روى أحمد وابن المبارك والبيهقي كلهم في الزهد وابن أبى شيبة من طريق المسيب بن رافع قال قال عبد الله بن مسعود «إنى لأمقت الرجل أراه فارغا ليس في شيء من عمل دنيا ولا آخرة».
(٤) قوله «بالنصب» في الصحاح : نصبت لفلان نصبا : إذا عاديته. (ع)
(٥) أخرجه الثعلبي والواحدي وابن مردويه بأسانيدهم إلى أبى بن كعب. ورواه سليم الزهري في البر عنه مرسلا.