يا ربّ أرجو لهم سوا كا |
|
يا ربّ فامنع منهم حما كا (١) |
فالتفت وهو يدعو فإذا هو بطير من نحو اليمن فقال : والله إنها لطير غريبة ما هي ببحرية ولا تهامية (٢). وفيه : أنّ أهل مكة قد احتووا على أموالهم ، وجمع عبد المطلب من جواهرهم وذهبهم الجور (٣) ، وكان سبب يساره. وعن أبى سعيد الخدري رضى الله عنه أنه سئل عن الطير فقال : حمام مكة منها. وقيل جاءت عشية ثم صبحتهم. وعن عكرمة : من أصابته جدّرته وهو أوّل جدري ظهر. وقرئ : ألم تر ، بسكون الراء للجد في إظهار أثر الجازم : والمعنى : أنك رأيت آثار فعل الله بالحبشة ، وسمعت الأخبار به متواترة ، فقامت لك مقام المشاهدة. و (كَيْفَ) في موضع نصب بفعل ربك ، لا بألم تر ، لما في (كَيْفَ) من معنى الاستفهام (فِي تَضْلِيلٍ) في تضييع وإبطال. يقال : ضلل كيده ، إذا جعله ضالا ضائعا. ومنه قوله تعالى (وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) وقيل لامرئ القيس : الملك الضليل ، لأنه ضلل ملك أبيه ، أى. ضيعه ، يعنى : أنهم كادوا البيت أوّلا ببناء القليس ، وأرادوا أن ينسخوا أمره بصرف وجوه الحاج إليه ، فضلل كيدهم بإيقاع الحريق فيه ، وكادوه ثانيا بإرادة هدمه ، فضلل بإرسال الطير عليهم (أَبابِيلَ) حزائق ، الواحدة : إبالة. وفي أمثالهم : ضغث على إبالة ، وهي : الحزمة الكبيرة ، شبهت الحزقة من الطير في تضامّها بالإبالة. وقيل : أبابيل مثل عباديد ، وشماطيط لا واحد لها وقرأ أبو حنيفة رحمه الله ، يرميهم ، أى الله تعالى أو الطير ، لأنه اسم جمع مذكر ، وإنما يؤنث على المعنى. وسجيل : كأنه علم للديوان الذي كتب فيه عذاب الكفار ، كما أن سجينا علم لديوان أعمالهم ، كأنه قيل : بحجارة من جملة العذاب المكتوب المدوّن ، واشتقاقه من الإسجال وهو الإرسال ، لأنّ العذاب موصوف بذلك ، وأرسل عليهم طيرا ، فأرسلنا عليهم
__________________
ـ عيل ، وجمعه عيائل ، كجيد وجياد وجيائد ، من قوله وتتعهد شأنه عمدوا : قصدوا ، حماك ، أى : حرمك الذي حميته لجهلهم. أو جاهلين وما خافوا عظمتك ، إن كنت تاركهم مع كعبتنا يفعلون بها ما شاءوا فأمر عظيم ظهر لك منا الآن من معاصينا. أو أمر تعلمه أنت ولا نعلمه من الحكمة والمصلحة. وفيه تفويض إلى الله وتسليم إليه.
(١) يا رب لا أرجو لهم سوا كا |
|
يا رب فامنع منهم حماكا |
إن عدو البيت من عادا كا |
|
امنعهم أن يخربوا فنا كا |
لعبد المطلب أيضا ، أى : لا أرجو لمنع الأعداء عنا غيرك ، وألف القوافي للإطلاق ، وتكرير النداء للاستعطاف. والعدو : يطلق على الواحد والمتعدد ، أى : من كان عدوا لأهل بيتك فهو المعادى لك البالغ في العداوة. والفناء : رحبة البيت. وروى بدله «قرا كا» جمع قرية ، وبده المصراع الثاني بألف الوصل جائز ، لأنه محل ابتداء في الجملة ، كما نبه عليه الخليل.
(٢) قوله «ما هي ببحرية ولا تهامية» ببحرية : في أبى السعود : بنجدية. (ع)
(٣) قوله «وذهبهم الجور» لعله الجرب : جمع جراب ، مثل : كتب ، جمع كتاب. (ع)