آخذها منه وأكمل نعاجى مائة ، فقال داود : إن رمت ذلك ضربنا منك هذا وهذا ، وأشار إلى طرف الأنف والجبهة ، فقال : يا داود أنت أحق أن يضرب منك هذا وهذا ، وأنت فعلت كيت وكيت ، ثم نظر داود فلم ير أحدا ، فعرف ما وقع فيه و (الْخُلَطاءِ) الشركاء الذين خلطوا أموالهم ، الواحد : خليط ، وهي الخلطة ، وقد غلبت في الماشية ، والشافعي رحمه الله يعتبرها ، فإذا كان الرجلان خليطين في ماشية بينهما غير مقسومة ، أو لكل واحد منهما ماشية على حدة إلا أنّ مراحهما ومساقهما وموضع حلبهما والراعي والكلب واحد والفحولة مختلطة : فهما يزكيان زكاة الواحد ؛ فإن كان لهما أربعون شاة فعليهما شاة. وإن كانوا ثلاثة ولهم مائة وعشرون لكل واحد وأربعون ، فعليهم واحدة كما لو كانت لواحد. وعند أبى حنيفة : لا تعتبر الخلطة ، والخليط والمنفرد عنده واحد ، ففي أربعين بين خليطين : لا شيء عنده ، وفي مائة وعشرين بين ثلاثة : ثلاث شياه. فإن قلت : فهذه الخلطة ما تقول فيها؟ قلت : عليهما شاة واحدة ، فيجب على ذى النعجة أداء جزء من مائة جزء من الشاة عند الشافعي رحمه الله ، وعند أبى حنيفة لا شيء عليه ، فإن قلت : ما ذا أراد بذكر حال الخلطاء في ذلك المقام؟ قلت : قصد به الموعظة الحسنة والترغيب في إيثار عادة الخلطاء الصلحاء الذين حكم لهم بالقلة ، وأن يكرّه إليهم الظلم والاعتداء الذي عليه أكثرهم ، مع التأسف على حالهم ، وأن يسلى المظلوم عما جرى عليه من خليطه ، وأنّ له في أكثر الخلطاء أسوة. وقرئ : ليبغى بفتح الياء على تقدير النون الخفيفة ، وحذفها كقوله :
اضرب عنك الهموم طارقها (١)
وهو جواب قسم محذوف. وليبغ : بحذف الياء ، اكتفاء منها بالكسرة ، و (ما) في (وَقَلِيلٌ ما هُمْ) للإبهام. وفيه تعجب من قلتهم. وإن أردت أن تتحقق فائدتها وموقعها فاطرحها ، من قول امرئ القيس :
وحديث ما على قصره (٢)
__________________
(١) اضرب عنك الهموم طارقها |
|
ضربك بالسوط قونس الفرس |
لطرفة بن العبد ، وقال أبو حاتم وابن برى : هو مصنوع عليه. واضرب فعل أمر بنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة تقديرا ، وحذفها لغير وقف ولالتقاء الساكنين قليل. وقيل ضرورة كما هنا. والمعنى : ادفع عنك الهموم ، فهو استعارة مضرحة. وضربك بالسوط ، أى : كضربك به ترشيح ، وطارقها : بدل من الهموم ، أى الفاشي لك منها ، والسوط : معمول من جلد تساق به الفرس. ويروى : بالسيف ، لكنه غير ملائم للفرس ، بل للفارس. وقونسها : أعلى رأسها. وقيل : شعر عنقها. ويجوز تشبيه الهموم بحيوان يصح ضربه على طريق المكنية ، والضرب تخييل ، والطروق ترشيح.
(٢) تقدم شرح هذا الشاهد بهذا الجزء صفحة ٧٥ فراجعه إن شئت اه مصححه.