تزل تعرض عليه حتى غربت الشمس وغفل عن العصر أو عن ورد من الذكر كان له وقت العشى ، وتهيبوه فلم يعلموه ، فاغتم لما فاته ، فاستردها وعقرها مقربا (١) لله ، وبقي مائة ، فما بقي في أيدى الناس من الجياد فمن نسلها ، وقيل : لما عقرها أبدله الله خيرا منها ، وهي الريح تجرى بأمره. فإن قلت : ما معنى (أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي)؟ قلت : أحببت : مضمن معنى فعل يتعدى بعن ، كأنه قيل : أنبت حب الخير عن ذكر ربى. أو جعلت حب الخير مجزيا أو مغنيا عن ذكر ربى. وذكر أبو الفتح الهمداني في كتاب التبيان : أن «أحببت» بمعنى : لزمت ، من قوله :
مثل بعير السوء إذ أحبّا (٢)
وليس بذاك. والخير : المال ، كقوله (إِنْ تَرَكَ خَيْراً) وقوله (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) والمال : الخيل التي شغلته. أو سمى الخيل خيرا كأنها نفس الخير لتعلق الخير بها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة (٣)» وقال في زيد الخيل حين وفد عليه وأسلم : «ما وصف لي رجل فرأيته إلا كان دون ما بلغني إلا زيد الخيل» (٤) وسماه زيد الخير. وسأل رجل بلالا رضى الله عنه عن قوم يستبقون : من السابق؟ فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له الرجل : أردت الخيل. فقال : وأنا أردت الخير (٥).
__________________
(١) قوله «وعقر ما مقربا لله» عبارة النسفي : تقربا. (ع)
(٢) كيف قربت عمك القرشبا |
|
حين أتاك لاغبا مخبا |
حلت عليه بالقفيل ضربا |
|
تبا لمن بالهون قد ألبا |
مثل بعير السوء إذ أحبا |
لأبى محمد الفقعسي. والقرشب ـ بكسر أوله وفتح ثالثه ـ : المسن ، واللاغب ، من اللغوب : وهو التعب. والمخب من أخبه : إذا حمله على الخبب ، وهو نوع من السير. أو من أخب : إذا لزم المكان كما قيل. وحلت : أى قمت ووثبت عليه. والقفيل : السوط. وضربا : بمعنى ضاربا. أو تضربه ضربا. والتب : الهلاك ، وهو دعاء عليه ، وفعله محذوف وجوبا. والهون ـ بالضم ـ : الهوان. وألب بالمكان : أقام به ، ورواه الأصمعى هكذا :
كيف قربت شيخك الأذبا |
|
لما أتاك يابسا قرشبا |
قمت عليه بالقفيل ضربا |
|
مثل بعير السوء إذ أحبا |
والذيب : كثرة الشعر وطوله. والأذب : البعير الذي نبت على حاجبيه شعيرات ، فإذا ضربته الريح نفر وماج.
وقال الجوهري : الاخباب : البروك. وهو في الإبل كالحران في الخبل.
(٣) متفق عليه من حديث ابن عمر رضى الله عنهما.
(٤) ذكره ابن إسحاق في المغازي بغير سند ، والبيهقي في الدلائل من طريقه. وذكره ابن سعد عن الواقدي بأسانيد له مقطوعة
(٥) أخرجه ابراهيم الحربي من رواية مغيرة عن الشعبي قال «كان رهان. فقال رجل لبلال : من سبق ، قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال : فمن صلى؟ قال : أبو بكر. قال : إنما أعنى في الخيل» قال : وأنا أعنى في الخير»