ومن قنع بما يكفيه استغني ، ومن لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغني أبدا» (١).
يقول الأستاذ محمدحسن آلياسين تعقيبا :
«ولما كان المراد من العقل في هذه النصوص هو النضج المثمر والوجود الفاعل المؤثر ـ وليس ما يقابل الجنون الذي يعني فقدان السيطرة علي الشعور المنضبط والاحساس المتزن ـ كان الانسان المجرد من المعرفة والمحروم من التعلم وان كمل عقله؛ محكوما بالنقص الذي لا ينكر ولا يستر ، بسبب جهله المخل بدوره الانساني النافع لنفسه ومجتمعه ، ولذلك أضاف الامام الي ما تقدم منه في تكريم العقل : التنبيه علي أهمية العلم وشأنه الكبير وأثره العظيم في بناء الأفراد والمجتمعات» (٢).
ولما كان العقل المتكامل منحة الهية من وجه ، وتجربة ذاتية من وجه آخر ، وجدنا القلة النادرة في الاجتماع البشري هي التي تتمتع به ادراكا ومعرفة وفلسفة. وحينما تطورت الحياة العلمية في عصر الامام بفضل الجهود المضنية للعلماء والباحثين والمترجمين ، فقد وجدنا في ضوء ذلك تطورا سريعا للحياة العقلية ، وكان هذا التطور مصاحبا لعلم الاحتجاج في أبرز فروعه ، وللفن الجدلي في مظاهره ، ولازدهار حياة المقالات والفرق والاتجاهات. وليس غريبا أن نجد الحياة العقلية قد نشأت في ظل المناخ السياسي ، بيد أننا نجد (صفحه ١٠٧) للامام موسي بن جعفر (عليهالسلام) وثيقة تأريخية في العقل ، كانت وليدة الشعور بالمسؤولية ، ولم تتأثر بأية عوامل سياسية اطلاقا ، وهي عبارة عن رسالة مهذبة نابضة وجهها الامام الي تلميذه العظيم هشام بن الحكم ، وقد شرحها الفيلسوف المتأله الملا صدرالدين الشيرازي المعروف ب «الملاصدرا» في رسالة خاصة ، وقد تعقبها بالتحليل الموضوعي
__________________
(١) الكليني / الكافي ١ / ١٨ ، ابنشعبة / تحف العقول / ٢٨٩.
(٢) محمدحسن آلياسين / الامام موسي بن جعفر / ١٠٦.