المتكلمون ينتظمون في موقع الافادة والاستزادة من الامام ، لا في موضع الجدل والمناظرة ، فهم بازاء أحد عباقرة الدنيا في استقراء المفاهيم وابراز المصاديق ، وانارة السبيل بين أيدي الباحثين الالهيين.
لقد سئل الامام عن ارادة الله تعالي ، فأجاب بديهة :
«الارادة من الخلق الضمير ، وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل. وأما من الله فارادته احداثه لا غير ، لأنه لا يروي ، ولا يهم ، ولا يفكر ، وهذه الصفات منفية عنه ، وهي صفات الخلق ، فارادة الله الفعل لا غير ذلك ، يقول له : (... كن فيكون) (١) بلا لفظ ، ولا نطق ، ولا لسان ، ولا همة ، ولا تفكر ، ولا كيف لذلك ، كما أنه لا كيف له» (٢).
أرأيت كيف أفرغت البلاغة جوهرها في هذا النص الفريد ، فميز فيه بين ارادة الخالق والمخلوق ، بأبلغ لفظ ، وأوجز بيان ، وأوضح أسلوب. فارادة الانسان قرار داخلي محدث فيما يبدو له من الأفعال بعد التأمل والتفكير ، وارادة الله تعالي احداثه للشيء ليس غير ، وهذا الاحداث يتم بأمر الكينونة المطلقة منه ، دون لفظ وذبذبة لسان ، ولا نطق ولا هم ولا تفكير.
والطريف في هذا الملحظ أن الامام يتحدث عن ارادة الله في شقيها التكويني والتشريعي ، بما لم يسبق اليه من قبل فلاسفة عصره والمتكلمين. يقول الامام (عليهالسلام) : «ان الله ارادتين ومشيئتين : ارادة حتم ، وارادة عزم ، ينهي وهو يشاء ، ويأمر وهو يشاء ، أو رأيت أنه نهي آدم وزوجته أن يأكلا من الشجرة وشاء ذلك؟ ولو لم يشأ أن يأكلا لما غلبت مشيئتهما مشيئة الله تعالي ، وأمر ابراهيم بذبح اسحاق (ولده) ولم يشأ أن يذبحه ، ولو شاء لما غلبت مشيئة ابراهيم مشيئة الله تعالي» (٣).
__________________
(١) سورة ياسين / ٨٢.
(٢) الكليني / أصول الكافي ١ / ١٢٧.
(٣) الكليني / أصول الكافي ١ / ١٥١.