وقد عقب الأستاذ باقر شريف القرشي علي هذا بقوله : «وبيان مراده (عليهالسلام) : أن الارادة تنقسم الي الارادة التكوينية الحقيقية ، والي الارادة التشريعية الاعتبارية ، فارادة الانسان التي تتعلق بفعل نفسه ارادة تكوينية تؤثر في أعضائه الي ايجاد المطاوعة الا لمانع ، وأما الارادة التي تتعلق بفعل الغير كما اذا أمر بشيء أو نهي عنه ، فان هذه الارادة ليست تكوينية بل هي تشريعية لأنها لا تؤثر ايجاد الفعل أو تركه من الغير ، بل تتوقف علي الارادة التكوينية له.
واما ارادة الله التكوينية فهي التي تتعلق بالشيء ، ولابد من ايجاده ، ويستحيل فيها التخلف.
وأما ارادته التشريعية فهي التي تتعلق بالفعل من حيث أنه حسن وصالح. وأما نهي الله لآدم عن الأكل ... وأمره لابراهيم بالذبح ... فان النهي والأمر فيهما تشريعيان ، كما أن المشيئة هي المشيئة التكوينية.
والأخبار الواردة عن أئمة الهدي (عليهمالسلام) بأن الذي جعل قربانا للبيت الحرام هو اسماعيل دون اسحاق» (١).
وها أنت تري أن هذا المناخ العقلي المتطور لدي الامام كان زاخرا بعبارات تنبض بالجمال الفني لغة ، وتصقل بصفاء الأسلوب أداء ، مما حول المعركة الكلامية المتنافرة الي مادة تفاهم ونشاط عقلي يبتعد بأفكاره عن الانكفاء وراء التهم ، ويتحاشي الهجوم المرير. علي أن هذا المناخ الذي أوجده الامام كان يتردد في أفق ملتهب لا معقول ، الا أن الامام قد عدل من مساره وقاده الي شواطيء الأمن.
ولم يكن الامام الا داعية الي سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، عليه ابداء الحقائق مجردة ، ووضع الأعلام لائحة ، فمن أخذ
__________________
(١) باقر شريف القرشي / حياة الامام موسي بن جعفر ٢ / ١٥٣.