جميعا ، فان كانت من الله تعالي فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده ، ويأخذه بما لم يفعله. وان كانت منهما فهو شريكه ، والقوي أولي بانصاف عبده الضعيف. وان كانت من العبد وحده فعليه وقع الأمر ، واليه توجه النهي ، وله حق الثواب والعقاب ، ووجبت له الجنة والنار.
قال أبوحنيفة : فقلت : (ذرية بعضها من بعض) (١) (٢).
ومع أن أباحنيفة من القائلين بالجبر ، وممن قيدوا حرية الارادة ، فانه قد سجل اعجابه بما أجاب به الامام ، سيما والرواية تقول بأن الامام كان آنذاك صغير السن.
وكان الامام لا يبخل علي أحد بالافادة منه في النظر العقلي ، لا سيما في أصول الدين وفروعه ، والظاهرة الماثلة للعيان أن جرت بينه وبين هارون الرشيد عدة مباحثات ومناظرات واحتجاجات ، يأتي بعضها في محلها ، ولكن الملفت للنظر حقا أن يطب اليه الرشيد أن يكتب له كلاما موجزا له أصول وفروع ، يفهم تفسيره ... فكتب الامام :
«بسم الله الرحمن الرحيم؛ أمور الدنيا أمران : أمر لا اختلاف فيه ، وهو اجماع الأمة علي الضرورة التي يضطرون اليها ، والأخبار المجمع عليها ، المعروض عليها شبهة ، والمستنبط منها كل حادثة ، وأمر يحتمل الشك والانكار ، وسبيل استنصاح أهل الحجة ، فما ثبت لمنتحليه من كتاب مستجمع علي تأويله ، أو سنة عن النبي (صلي الله عليه وآله) لا اختلاف فيها ، أو قياس تعرف العقول عدله ، ضاق علي من استوضح تلك الحجة ردها ، ووجب عليه قبولها ، والاقرار والديانة بها ، وما لم يثبت لمنتحليه به حجة من كتاب مستجمع علي تأويله ، أو سنة عن النبي (صلي الله عليه وآله) لا اختلاف فيها ، أو قياس
__________________
(١) سورة آلعمران / ٣٤.
(٢) ظ : السيد المرتضي / أمالي المرتضي : ١ / ١٥١ ، ابن شهر آشوب / المناقب : ٣ / ٤٢٩ ، المجلسي / بحارالأنوار : ٤٨ / ١٠٩.