الي حيث شئت بأنني خراجك» (١).
وقد حكي هذا التعبير ما في قلب الرشيد من الاعتداد بالمال والخراج ، لا بالاسلام ودولته ، فأحتجان الأموال ، وتكدس الأرصدة هو الذي يوفر له حياة البذخ والعبث ، وهو الذي يحقق له موائد الفسق واللهو والطرب ، والسيطرة علي المال من المهمات الأساسية في ملكه ، يستعين به في شراء الضمائر ، والقضاء علي المعارضين ، والترفيه عن ولاته وبطانته وحواشيه وجواريه ، والاغداق علي المغنين والمخنثين والقيان.
يقول الأستاذ باقر شريف القرشي :
«وجبي له الخراج من جميع الأقاليم الاسلامية ، وصارت عاصمته بغداد عروس الدنيا ، ومستودع أضخم بيت للمال في العالم ... وانتشر فيها الثراء الفاحش والتضخم النقدي عند التجار والموظفين والندماء والمطربين والمجان ، وتناثرت فيها القصور الرائعة التي شيدت علي طراز هندسي جميل مزيج من الذوقين العربي والفارسي ، وصارت بغداد بما فيها من الحدائق الغناء زينة الشرق ، وأعظم عاصمة لأهم امبراطورية شاهدها التأريخ» (٢).
ولا تحسبن هذه الامبراطورية جاءت لتطبيق مباديء الاسلام أو تحكيم شريعة السماء ، وانما استغلت استغلالا فظيعا للاستعلاء في الأرض ، وافترضت لتلبية رغبات المجون العابث ، فالشعب المسلم علي قارعة الطريق يتشكي البؤس والحرمان وفقد الحياة الكريمة ، وقصور الخلفاء تعج بالقيان والجواري والغلمان ، وأنفقت واردات الدولة في تشيد القصور الفارهة ، وبددت الميزانية العامة في اغراق أتباع النظام بالأعطيات الضخمة ،
__________________
(١) القلقشندي / صبح الأعشي ٣ / ٢٧٠.
(٢) باقر شريف القرشي / حياة الامام موسي بن جعفر ٢ / ٢١.