واتخام وعاظ السلاطين بالهبات الطائلة ، وكان لسوق المجان والفسوق نصيب مما قرره السلطان ، وكانت الثروات اثرة بين هؤلاء وهؤلاء. وقد قدر الدكتور عبدالجبار الجومرد واردات الدولة ب «مليارين ومائتين وعشرين مليون دينارا ، وتسعمائة وستين ألف دينار» (١).
وهذا القدر العظيم في الميزانية يجعلها أضخم ميزانية في العالم آنذاك بالنسبة للقيمة النقدية المتداولة وقيمة الأسعار ، فقد ذكر الدكتور أحمد أمين الأسعار في الأسواق ، فذهب أن الكبش يباع بدرهم ، والجمل بأربعة دنانير ، والتمر ستون رطلا بدرهم ، والزيت ستة عشر رطلا بدرهم ، والسمن ثمانية أرطال بدرهم ، وأجرة البناء الأستاذ بخمس حبات ، والحبة ثلث الدرهم ، والدانق سدس الدرهم (٢).
وفي هذا الضوء كان ما أبداه الجهشياري دقيقا حينما اعتبر واردات الدولة عبارة عن : خمسمائة مليون درهم ومائتين وأربعين ألف درهم (٣).
وذلك بالدرهم الفضي المتعارف عليه في ذلك العصر.
فأين تري مصرف هذه الايرادات الضخمة من قبل السلطان؟
انّ هذه الايرادات الكبري لم تكن لتصرف في وجوه البر والاحسان ، ولا لنشر تعاليم الاسلام ، ولا لاعمار البلاد ، ولا لتلبية احتياج البائس (صفحه ١٦٠) الفقير ، ولا في وجوهها المشروعة الا لماما ، وانما كانت تبذر في سبيل الرغبات الخاصة ، والمسلمون بين جائع وعريان ، وشريد وطريد ، والعلماء في فقر وفاقة واذلال ، وقادة الفكر والمعرفة في بؤس وشقاء ، وعامة الناس كالعبيد في ذل واضطهاد ، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء ، الا تلك الطبقة الأرستقراطية من الولاة وأبناء السلاطين وفقهاء البلاط ، فانها في
__________________
(١) عبدالجبار الجومرد / هارون الرشيد / ٢ / ٣٦٢.
(٢) ظ : باقر شريف القرشي / حياة الامام موسي بن جعفر ٢ / ٢٩ وانظر مصدره.
(٣) ظ : الجهشياري / الوزراء والكتاب / ٢٨٨.