يقول المأمون : وكنت أجرأ ولد أبي عليه ، فلما خلا المجلس؛ قلت : يا أميرالمؤمنين؛ من هذا الرجل الذي قد عظمته وأجللته؟ وقمت من مجلسك اليه فاستقبلته؟ وأقعدته في صدر المجلس ، وجلست دونه ، ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟
قال : هذا امام الناس ، وحجة الله علي خلقه ، وخليفته علي عباده. فقلت : يا أميرالمؤمنين؛ أو ليست هذه الصفات كلها لك وفيك؟
فقال : أنا امام الجماعة في الظاهر بالغلبة والقهر ، وموسي بن جعفر امام حق ، والله يا بني انه لأحق بمقام رسول الله (صلي الله عليه وآله) مني ، ومن الخلق جميعا ، وو الله لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك ، فان الملك عقيم» (١).
ومع معرفة الرشيد بهذا المقام الأسمي للامام ، فان اصبع الاتهام يوميء به للامام ، مما يعتبره الرشيد منافسة في سلطان ، وهو مما يلفق ويكذب به علي الامام ، فقد حدث الامام نفسه قائلا : «لما أمر هارون الرشيد بحملي ، دخلت عليه فسلمت فلم يرد علي السلام ، ورأيته مغضبا ، فرمي الي بطومار ، فقال : اقرأه.
فاذا فيه كلام ، قد علم الله عزوجل براءتي منه ، وفيه أن موسي بن جعفر يجبي اليه خراج الآفاق من غلاة الشيعة ممن يقول بامامته ، يدينون الله بذلك ، ويزعمون أنه فرض عليهم ، الي أن يرث الله الأرض ومن عليها ، ويزعمون أنه من لم يذهب اليه بالعشر ، ولم يصل بامامتهم ، ولم يحج باذنهم ، ويجاهد بأمرهم ، ويحمل الغنيمة اليهم ، ويفضل الأئمة علي جميع الخلق ، ويفرض طاعتهم مثل طاعة الله ورسوله ، فهو كافر حلال ماله ودمه ... والكتاب طويل ، وأنا قائم أقرأ وهو ساكت ، فرفع رأسه وقال :
اكتفيت بما قرأت ، فكلم بحجتك بما قرأته.
__________________
(١) ظ : المجلسي / بحارالأنوار ٤٨ / ١٢٩ ـ ١٣١ باختصار.