فكر القائلين بالخروج ، وأنه نشأ في المدينة علي الاصطياد ، الا أن الحديث هذا لم يرق للرشيد ، ولم يقتنع به ، فأمر به الي السجن ، فلم يزل محبوسا حتي ضاق صدره ، فبعث برسالة للرشيد ضمنها شتمه وسبابه ، فلما قرأها الرشيد ، دعا جعفر بن يحيي البرمكي ، فأمره أن يجعله عنده ، وفي اليوم الثاني كان «النوروز» فقدمه جعفر وضرب عنقه ، وغسل رأسه ، وجعله في منديل ، وأهداه الي الرشيد ، فلما نظر الرأس قال لجعفر : ويحك لم فعلت هذا؟ قال : ما علمت أبلغ في سرورك من حمل رأس عدوك اليك ...» (١).
وهكذا كانت الدماء تسفك سفها ، والأرواح تزهق قسرا ، وقتل الأبرياء يقع موقع الرضا من السلطان ، ولم يكن هذا بأعجب من شأن ادريس بن عبدالله بن الحسن بن الامام الحسن بن أميرالمؤمنين (عليهماالسلام) ، فقد أفلت ادريس من وقعة «فخ» وهرب مع مولي له يقال له «راشد» فخرج به في جملة حاج افريقيا ومصر حتي أقدمه مصر ، وبقي مختفيا بهامدة وجيزة ، ثم سلكا طريقا انتهيا معه الي فاس وطنجة ، وبث ادريس هناك دعوته ، وعظم أمره ، والتف حوله البربر ، فدعاهم الي الدين فملكوه عليهم ، وبلغ الرشيد ذلك فغمه الأمر حتي امتنع عليه النوم ، فدعا سليمان بن جرير الرقي فأعطاه سما ، وسيره نحو ادريس ، فورد سليمان علي ادريس متوسما بالمذهب فسر به ، ثم جعل سليمان يطلب غرته حتي وجد خلوة من مولاه راشد ، فسقاه السم وهرب ، بعد أن حكم خمس سنين وستة أشهر ، فقد بويع له في رمضان ١٧٢ ه وقضي في ربيع الثاني ١٧٧ ه (٢).
وقد يتفنن الرشيد بالتصفية الجسدية ، فيقتل من يشاء صبرا ، كما حصل هذا للعباس بن محمد بن عبدالله بن الامام زينالعابدين (عليهالسلام) ، اذ
__________________
(١) ظ : الأصبهاني / مقاتل الطالبيين / ٤٩٣ ، المسعودي / مروج الذهب ٢ / ٢٣٤ به تصرف.
(٢) ظ : الأصبهاني / مقاتل الطالبيين ٤٨٧ ، الطبري / التأريخ ١٠ / ٢٩.