علي من سر مؤمنا فبالله بدأ ، وبالنبي (صلي الله عليه وآله) ثني ، وبنا ثلث» (١).
والامام بهذا النحو من التوجيه ، يبدي تفهمه الدقيق لمهمة علي بن يقطين من خلال موقعه الخطير ، وهو يشجعه علي البقاء فيه ، وهو ينهاه عن الاستقالة منه ، وهو يتوسم فيه جبر الكسير واطفاء نائرة المخالفين عليه ، والامام يلمس منه ايجابية مطلقة ، فيبين له ما يكفر به عن عمل السلطان في الاحسان الي الاخوان ، وقضاء احتياج المؤمن ، ويحدد له بعض الآثار الوضعية في اكرامه لأولياء الله ، ويلخصها له في ثلاث :
الاعتصام من السجن ، والاحتزاز من السيف ، والاستعاذة من الفقر ، فليت أولياء الامام التزموا بذلك لدي تسلمهم لبعض المناصب في الدولة ، ونظروا ببصائرهم لهذه المكاسب الكبري التي يحققها من عمل بنصح الامام وتوجيهه الكريم.
اننا نلمس في سيرة علي بن يقطين ألقا من هدي أهل البيت ووهجا من عمق تطلعهم لحقائق الأشياء ، فهو القدوة في هذا المجال الرفيع ، ومع ذلك نراه يضيق ذرعا بعمل السلطان لئلا يقصر بالتزامه الانساني ، ويكتب للامام : «ان قلبي يضيق مما أنا عليه من عمل السلطان ، فان ، أذنت لي جعلني الله فداك ، هربت منه؟»
ويرد عليه جواب الامام بالنص :
«لا آذن لك بالخروج عن عملهم ، واتق الله ...» (٢).
لقد تراءي للامام بلمح بعيد يعسر رصده علي الكثيرين ، أن بقاء علي بن يقطين في موقعه هو الأصلح لأمور الدنيا والدين ، فهو لا يأذن له في الخروج منه ، ومع ذلك فهو يأمره بتقوي الله ، تأكيدا علي مراقبة النفس من
__________________
(١) المجلسي / بحار الأنوار ٤٨ / ١٣٩ وانظر مصدره.
(٢) ظ : المجلسي / بحار الأنوار ٤٨ / ١٥٨ يرويه عن قرب الإسناد / ١٧٠.