الرشيد يمتليء حقدا علي الامام ، والامام يعلم ذلك ، ولا يستطيع الا قول الحق ، اذ ليس مما ليس منه بد ، وهكذا يشكل الامام موقفا حاسما لا تردد فيه ولا اضطراب.
ولم تكن مجابهة الامام (عليهالسلام) لفقهاء البلاط العباسي بأقل شأوا من مجابهته للسلاطين ، فقد أورد الشيخ المفيد : ان محمد بن الحسن الشيباني سأل الامام موسي بن جعفر بمحضر من الرشيد وهم بمكة؛ قال له : أيجوز للمحرم أن يظلل عليه محمله؟
فقال الامام (عليهالسلام) : لا يجوز له ذلك مع الاختيار. فقال محمد بن الحسن : أفيجوز أن يمشي تحت الظلال مختارا؟
فقال له الامام : نعم ، فتضاحك محمد بن الحسن من ذلك.
فقال له الامام الكاظم (عليهالسلام) : أفتعجب من سنة النبي (صلي الله عليه وآله) وتستهزيء بها؟ ان رسول الله (صلي الله عليه وآله) كشف ظلاله في احرامه ، ومشي تحت الظلال وهو محرم ، وان أحكام الله يا محمد لا تقاس ، فمن قاس بعضها علي بعض فقد ضل سواء السبيل. فسكت محمد بن الحسن لا يرجع جوابا (١).
وقد يفجأ الامام هؤلاء بنوع من علمه لا تصل اليه أحلامهم ، ولا ترقي الي ادراكه عقولهم ، فقد ورد في عدة مصادر :
أن أبايوسف القاضي ومحمد بن الحسن الشيباني زار الامام في السجن ، وقال أحدهما للآخر : نحن علي أحد أمرين؛ اما أن نساويه أو نشكله ، فجلسا بين يديه ، فجاء رجل كان موكلا بالامام من قبل السندي ، فقل : ان نوبتي قد انقضت وأنا علي الانصراف ، فان كان لك حاجة أمرتني حتي آتيك بها في الوقت الذي تخلفني النوبة؛ فقال : مالي حاجة.
فلما أن خرج ، قال الامام لأبييوسف وصاحبه :
__________________
(١) الشيخ المفيد / الارشاد / ٣٣٤ ـ ٣٣٥.