من الأنانية ، وما اشتملت عليه تصرفاته الدالة علي حقده الدفين لأهل البيت (عليهمالسلام) ، وهو في قرارة نفسه يعلم من هو الامام ، ويقر بما للامام من مثل وقيم لا تتوفر في سواه ، وهو يري تدافع الفقهاء والمحدثين وأهل العلم علي جامعة الامام ، وهو يري مدرسة الامام تشق طريقها في التشريع والحياة والاجتماع ، وهو يري شطر المسلمين يقولون بامامة موسي بن جعفر (عليهالسلام) ، حتي عاد الامام حديث المجالس والأندية ، وشغل المحافل والدواوين.
وهذا كله من أبرز العوامل المساعدة علي استفزاز الرشيد. والرشيد أحرص الناس علي الحياة ، وأحب الناس للسلطان ، وأشد الناس طلبا للملك ، فقد تسلمه بعد هن وهن ، فهو لهذا لا يتورع عن اقتراف أية جريمة مهما كان نوعها ، للابقاء ـ فيما زعم ـ علي الحكم ، وقد هاله هذا الزخم الهائل من فضائل الامام ، وقد روعه ذلك الرصيد الشعبي للامام ، فهو يحمي ملكه ، ويبقي علي نفسه ، فيما يعتقده عندما يقدم علي اعتقال الامام.
يقول الأستاذ باقر شريف القرشي :
«لقد كان هارون يقظا ، فكان يخرج بغير زيه متنكرا ليسمع أحاديث العامة ، ويقف علي اتجاهاتهم ورغباتهم ، فكان لا يسمع الا الذكر العاطر للامام والثناء عليه ، وحب الناس له ، ورغبتهم في أن يتولي شؤونهم ، فلذلك أقدم علي ارتكاب الموبقة» (١).
وكانت البنية الخلفية للرشيد تتكيء علي تركيب متدهور مريض ، يفيض لؤما وحساسية من أهل هذا البيت الكريم ، وهذا موسي بن جعفر زعيم العلويين وكبير الطالبيين ، وهذا هو موقعه من الأمة وتلك مآثره في الآفاق ، وأولاء شيعته في الحياة ، فلماذا يبقي طليقا؟ وهو مصدر قلق وهلع ، ولماذا
__________________
(١) باقر شريف القرشي / حياة الامام موسي بن جعفر ٢ / ٤٥٠.